أبطال الموقعة يسترجعون تفاصيل «السبت الدامى»: الدماء لا تزال فى رقابنا
يحتفظون بتفاصيل المشهد فى ذاكرتهم عن ظهر قلب، فكلما اقتربت عقارب الساعة من ذلك التاريخ المشئوم، صباح التاسع عشر من نوفمبر من العام الماضى، تذكر «مصابو الثورة» واقعتهم الأقسى فى حياتهم، فحكومة «عصام شرف» وقتها لم تكتف بمنعهم من حق «العلاج والحياة» ولكنها أيضاً انتزعت منهم «حق الاعتصام السلمى» بعدما اقتحمت قوات الأمن المركزى ميدان التحرير بعد ساعات من انتهاء مليونية التيار الإسلامى ضد وثيقة «السلمى» الدستورية، لتندلع على أثرها موقعة «محمد محمود».. «الوطن» التقت أصحاب الشرارة الأولى للموجة الثانية للثورة فى الظهور الإعلامى الأول بعد عام من معركة «البقاء».
على بعد أمتار قليلة من ميدان التحرير اجتمعوا، فوقائع «سبت 19 نوفمبر 2011 الدامى» دائماً تدفعهم بعيداً عن الميدان، هذه المرة التقوا لبحث أوضاعهم التى تتحول تدريجياً من «السيئ إلى الأسوأ»، «فرابطة مصابى الثورة وأسر الشهداء» الباحثة منذ قرابة الـ20 شهراً عن حقوق تاجرت بها الدولة فى الإعلام، وقدم لها اللواء «محسن الفنجرى» التحية العسكرية أمام الملايين، قبل أن يعودوا ويصفوهم بـ«الخارجين عن القانون» الذين حاولوا «احتلال ميدان التحرير» لذلك وجب تطهيره.
يتحدث إيهاب الغباشى أحد أبطال موقعة «السبت» وهو فى الوقت نفسه يشغل موقع منسق عام الرابطة، قائلاً: «منذ تنحى مبارك وحتى أغسطس 2011، كنا فقط نسمع عن مزايا المصابين وأسر الشهداء فى الإعلام وعلى ألسنة قادة المجلس العسكرى ورجال الحكومة، ولكن الحقيقة كانت أن أغلبنا ما زال راقداً فى المستشفيات الحكومية غير قادر على استكمال علاجه بسبب عدم صرف التعويضات»، مضيفاً: «بعد عدد من الاستغاثات أخيراً استجاب الدكتور عصام شرف لمطالبنا وقام بتشكيل كيان لرعايتنا تحت لافتة (صندوق رعاية المصابين وأسر الشهداء)، قبل أن تنتقل مسئوليته فجأة من رئاسة الوزراء إلى يد اللواء محسن الفنجرى عضو المجلس العسكرى الذى استعان بالسيدة (بانسيه عصمت) لتساعده فى إدارة الصندوق».
يواصل «الغباشى» استرجاع الذكريات، موضحاً أن اللواء الفنجرى كان دائماً يماطل فى تحقيق المطالب -التى كانت وقتها تتمثل فى سفر حالات العجز الكلى للعلاج بالخارج وصرف التعويضات المالية المقررة- فعبارة واحدة كان دائماً يرددها «إن شاء الله كله هيتنفذ» ولكن الأيام مرت دون شىء حتى إن 5 من زملائنا المصابين وافتهم المنية داخل مسشتفى قصر العينى بسبب الإهمال الطبى، مما دفعنا لحسم مصيرنا بالاتجاه نحو التحرير للاعتصام.
يلتقط زميله «عماد صلاح» الذى فقد عينه اليمنى فى جمعة الغضب وهو فى طريقه للميدان من شارع محمد محمود، أطراف الحديث، مشيراً إلى أن اعتصام المصابين ضم قرابة الـ48 فردا وانطلق تحديداً فى 16 نوفمبر أى قبل الأحداث بـ4 أيام كاملة، مضيفاً: «اتخذنا قراراً بنصب 3 خيام داخل صينية الميدان وقمنا بإحاطة المنطقة بالحبال حتى لا نؤثر على الحياة العامة بالتحرير».
«عماد صلاح» لا يسقط من ذاكرته أنه كان السبب الرئيسى بأن يفقد «الطبيب الثائر» -حسبما وصفه- «أحمد حرارة» عينه اليسرى فى أحداث «محمد محمود»، فالاتصال الأول من هاتف «عماد» كان لـ«حرارة» يستغيث فيه من تعرضهم للاعتداء من قوات الشرطة، قبل أن يستعيد ذكريات السبت قائلاً: فى العاشرة صباحاً فوجئنا بتوافد كثيف لسيارات الأمن المركزى تدخل نحو الميدان، اعتقدنا فى البداية أنها قادمة لإعادة تأمينه خاصة بعد فعاليات مليونية ساخنة هتفت ضد «العسكرى والحكومة»، ولكن سرعان ما اتجهت حشود «الشرطة» نحونا مهددة بالاعتداء أو فض الاعتصام، قبل أن تتخذ الداخلية قرارها بعيداً عن المفاوضات السلمية.
يلقبونه بـ«العم»، فهو من ضمن كبار مصابى الثورة، اسمه «ناصر أبوعيد»، عمره الذى بدا فى أواخر العقد الرابع لم يمنعه من الحديث عن توابع «زلزال فض الاعتصام» قائلاً: أجرينا اتصالات هاتفية باللواء محسن الفنجرى، الذى طلب الاجتماع بممثلى الرابطة فى مقر مجلس الوزراء على بعد أمتار من مرمى الاشتباكات، والذى قدم فيه الفنجرى اعتذاره عن تعرضهم للاعتداء، ولكن بمجرد توافد الأنباء عن سقوط شهداء، تحولت وتيرة الاجتماع نحو «العصبية» وانتهى باشتباكات كلامية، قال فيها الفنجرى «الميدان عندكو اعملوا اللى انتوا عايزينه.. إحنا ملناش دعوة بيكو»، وهو الأمر الذى جعل «أبوعيد» وزملاءه على درجة من اليقين بأن الأحداث برمتها كانت «مجهزة سلفاً» من أجل «إنهاء حلم الثورة».
أصحاب «شرارة الموجة الثانية للثورة» أجمعوا على أنهم يتحملون فى أعناقهم «وزر دماء الشهداء» الذين سقطوا فى الأحداث، فاستغاثتهم كانت السبب فى إراقة دماء ما يقرب من 50 شهيداً، ولكنهم لن يتنازلوا عن حلم المشاركة فى «الثورة الجديدة» التى ستندلع ضد «نظام مرسى مبارك»، بحسب تعبيرهم.
أخبار متعلقة:
محمد محمود عام على «دماء الحرية»
«حيطان محمد محمود».. طريق الشهداء للوصول إلى وزارة الداخلية وسط «بركة الدم»
بروفايل: صفوت حجازى.. شيخ «العسكرى»
بروفايل: أحمد حرارة.. عيون الثورة
«الوطن» تشارك أهالى الشهداء ذكرى «الوجع الكبير»
«مشرحة زينهم».. شاهد على «الدم والرصاص»
«الحائط العازل».. أوقف نزيف الدم.. وجندى: «نقلناه من بنى يوسف للتحرير فى ساعة واحدة»
سكان «شارع الصدام».. أسبوع فى الجحيم
بروفايل: منصور العيسوى.. وزير بلا سلطة
بروفايل: حازم أبوإسماعيل.. الشيخ الثائر
أطباء التحرير.. جندى الثورة المجهول فى معارك الحرية
رجال الإسعاف الشعبى.. موتوسيكلات فى خدمة الثوار
حكايات «عيون» أضاءت «شارع الحرية»