«البدرشين».. «قطر» مع سبق الإصرار والترصد
وطن قاسٍ لا يرحم، يعشق رائحة الموت، لا يرعى سنا أو فقرا أو حاجة، يخطف مقلات الأعين، يطرحها فوق القضبان بكل وقاحة، ينحاز إلى الفقراء فقط فى «الموت»، وفى الموت فقط، يأخذه هدفا قوميا موجها إلى فقرائه، يمنحه للجميع دون تمييز، سريع فى غضبه، أحمق فى سرعة نسيانه، الطفل الغض، صار بفعل «القطر» طريح القبر، والجندى الشاب، من يقضى سنوات الخدمة، يخدم وطنا جاحدا، صار فقيدا، لم يدخل معركة بعدُ، لم يتلقَّ الأمر بصد العدوان، لم يحشُ بندقيته، القتل الآن أصبح سلعة مجانية، مقصلة الوطن لا تغفل أحداً، مصوبة هى نحو رقاب الفقراء، من لا يعرفون الشجب والتنديد والتصعيد، من يموتون بفعل القهر تارة، وفعل البرد تارة، وفعل الفقر والغلاء مرات، من يموتون سرا وجهرا، وحين تسأل رأس الدولة -مهما تبدل اسمه أو حاشيته، مهما طالت أو قصرت لحيته- تأتى الإجابة واحدة: عامل المزلقان هو الجانى.
ولأن آفة وطننا النسيان، ولأن بقاء رؤوس السلطة والحكام صار رهينا بترديد عبارات الشجب والوعيد والكثير من كلمات التعازى، والقليل من أفعال التصحيح، فلن يتوقف سيل الدم، وما دامت حكومتنا «الطيبة» اللينة تلقى باللوم على ميراث حكومات نظام سابق، فلن يتغير شىء، فقط ستطول قائمة الموتى، ويزداد الغضب الشعبى واللعنات، حتى يأتى حادث آخر، بمذاق آخر، وينسدل ستار تدريجى فوق المشهد، ويأتى فعل آخر، أكثر قسوة، ليعيد إلى الأذهان رائحة الموت بفعل «الغُلب».
يقول عبدالعزيز جويدة، عن وطن يشبه ذاك الوطن، غارق فى حالة تشبه تلك الحالة:
ما كانَ مُحتَملاً حَدَثْ
لا تَكتَرِثْ
وانفُضْ غُبارَ الخوفِ لن تخشَى أحدا
كلُّ الذينَ تَظُنهم أحياء
وَطنٌ مِنَ الموتَى
وشَعبٌ مِن جُثث
صَعبٌ لكَ التحديدُ فى زمنِ العَبَث
كلُّ الذى تَلقاهُ يَعلو
فوقَ أجسادِ العِباد
ليستْ رُؤوساً
فاقتَرِبْ مِنها قليلاً
ستَشُم رائحةَ الرَّوَث