أخطر ما يمكن أن تبتلى به أمة أن يتحول قطاع من أبنائها إلى «لصوص»، وقطاع آخر إلى «جواسيس». وإذا رأيت أمة تقع فى هذا الشرك المزدوج فأذّن عليها ثلاثاً قبل ضياعها. فاللص سر الفساد داخل أى مجتمع، أما الجاسوس فقادر على تخريب «مداين»، دون أن يهتز لأى منهما جفن، بل إن متعة وجودهما ونشوة حياتهما تتفجر عند ممارسة الفساد والتخريب!. تعالَ نفتش معاً فى التركيبة النفسية لهذين الصنفين من البشر.
يختزل اللص الحياة فى نفسه، وينظر إلى الدنيا من ثقب مصالحه الخاصة، ويرى سعادته فى كنز المغانم والمكاسب، وترك الخسارة والحرمان للآخرين. إنه على استعداد لأن يفقد من حوله ألف جنيه، فى سبيل أن يحصد هو جنيهاً واحداً. فليس يهم أن يخسر المجتمع كله فى سبيل أى مكسب ذاتى يحققه حتى ولو كان ضئيلاً. يذهب اللص على سبيل المثال لشراء صفقة أتوبيسات للبلد الذى يعيش فيه، فيتوجه إلى شركتين، شركة تعرض عليه مجموعة أتوبيسات جيدة الصنع وعالية الجودة، مقابل منحه عمولة قدرها 100 ألف جنيه، وأخرى تعرض عليه صفقة متهالكة أو بالبلدى «مضروبة» مقابل منحة عمولة قدرها 500 ألف جنيه، فما يكون منه إلا أن يوافق على الصفقة «المضروبة»، حتى يحصل على المبلغ الأكبر، وتكون النتيجة أن يخسر البلد الملايين فى سبيل أن يحصد هو بضعة آلاف. تلك هى تركيبة اللص.
أما الجاسوس فهو حالة خاصة جداً.. إنه باختصار شخص «قليل الأصل» كاره لوطنه، رغم أن حب الوطن مسألة غريزية لا يستطيع أن ينجو منها إنسان، فكيف يمكن لـ«بنى آدم» أن يكره الأرض التى أنجبته، والتى يوجد فيها أهله وناسه، وأصدقاؤه وأحباؤه، و«عضم آبائه وأجداده؟. كراهية الوطن إحساس لا يقوى عليه إلا شخص «قليل الأصل»، يسعد بإهدار وطنه، ويرضى بالنيل منه، ولا يلقى بالاً لأية أضرار تلحق به، لذلك يترخص فى بيعه، وتسليم أمانته إلى كل من هب ودب، فالأرض بالنسبة له ليست عرضاً، والحدود قيود، وأهله أعداؤه. وقد يقول قائل ألا يفعل الجاسوس كل ذلك بهدف الحصول على المال، فلماذا لا ينضم إلى طائفة اللصوص؟. والإجابة عن هذا السؤال تدفعنى إلى تذكيرك من جديد بمسألة قلة الأصل.. «وتعمل إيه فى قلة الأصل»؟!.
إن ابتلاء أى مجتمع من المجتمعات باللصوص خطر داهم يمكن أن يؤدى إلى حرق الأخضر واليابس فيه، وإفقار أهله، وإذلالهم، وإضاعة كرامتهم وحقوقهم، أما ابتلاء المجتمع بالجواسيس فكارثة الكوارث، لأنها تؤدى إلى بيعه فى أقرب سوق نخاسة ينصبه أعداؤه، أما إذا وجدت مجتمعاً ابتلى بالصنفين من البشر فواجب عليك أن تغنى معى «يبقى انت أكيد فى مصر»!.