بعد صدور حكم المحكمة الإدارية برفض الطعن المقدم من الجهة الإدارية على حكم محكمة القضاء الإدارى انطلقت أصوات النواب بالبرلمان المصرى تتحدى الحكم وتعلن أن الاختصاص هو للبرلمان، ومؤدى هذا الحكم هو بطلان التوقيع المبدئى الذى وقعه رئيس الوزراء، على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة السعودية، ونقل بموجبها السيادة على جزيرتى تيران وصنافير من مصر إلى المملكة العربية السعودية، السؤال هل فعلاً يملك مجلس النواب حق مناقشة هذه الاتفاقية أم أن الدستور المصرى الجديد المادة 151 ملزمة لكل سلطات الدولة بما فى ذلك مجلس النواب؟
فى الحقيقة فقد أوضح الحكم هذه المسألة أولاً عندما رد على الدفع المقدم من هيئة قضايا الدولة بنظرية أعمال السيادة، وفى تفسير المادة 151 فى الدستور الجديد، التى وضعت القواعد المنظمة لإبرام المعاهدات وأضافت إليها بنداً لم يكن فى الدساتير السابقة وهو حظر التنازل عن أراضى الدولة، وأوضح الحكم أن هذا الحظر ملزم ليس فقط لسلطات الدولة الثلاث ولكن أيضاً للشعب نفسه، فوفقاً للمادة 151 هناك حالات يبرم فيها الرئيس الاتفاقية ولا تدخل حيز النفاذ إلا بعد تصديق البرلمان عليها باعتباره ممثلاً للشعب، الحالة الثانية هى تلك الاتفاقيات التى يبرمها رئيس الجمهورية وتتعلق بإبرام معاهدات الصلح أو التحالف أو ما يتعلق بحقوق السيادة، مثل أن نعطى حق عمل قاعدة عسكرية أو تسهيلات استخدام المياه الإقليمية أو المجال الجوى، كل هذه الحالات تطلب بالإضافة لتوقيع الرئيس تصديق مجلس النواب ثم استفتاء الشعب عليها ولا تدخل حيز النفاذ إلا بعد إعلان الاستفتاء، الحالة الأخيرة وجاءت فى الفقرة الأخيرة هى عدم جواز إبرام أى معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من أجزاء الدولة.
إذن قطع الدستور بحظر الاتفاق على التنازل عن الأراضى المصرية، والمقصود بالأراضى هنا تلك الأراضى التى كانت خاضعة للسيادة المصرية أثناء وضع الدستور المصرى، وبالتالى لا يجوز لأى جهة أو سلطة أن تدعى أن أى قطعة أو جزيرة بأنها ليست مصرية طالما كانت جزءاً من التراب الوطنى أثناء وضع الدستور، والجزيرتان فى الحقيقة ولحسن الحظ ثابت أنهما منذ أكثر من 70 عاماً ومصر تمارس السيادة بموجب اتفاقيات دولية وترتيبات أمنية ومناقشات فى مجلس الأمن ووثائق فى وزارة الخارجية طرحت جميعها على المحكمة، وانتهت المحكمة إلى أن الدستور المصرى حدد اختصاص مجلس النواب بشأن المعاهدات فى الفقرة الأولى فقط، وأن الفقرة الثانية الخاصة بالتحالف والصلح وحقوق السيادة فهى للشعب المصرى ويقتصر دور البرلمان على التصديق على نتيجة الاستفتاء، أما أى تنازل عن الأرض أو مخالفة مواد الدستور المصرى فلا يجوز إبرام أى اتفاقيات تتعلق بهذا، وهو حظر ممتد للسلطة التنفيذية ومجلس النواب والشعب كله، فلا يصح الاستفتاء على اتفاق بالتنازل عن أرض وفقاً لصحيح الدستور القائم حالياً.
بعيداً عن اللغة الحادة التى استخدمها البعض ضد حكم محكمة مجلس الدولة، حتى إن البعض أطال فى الانتقاد والتجريح واستطال إلى حد ارتكاب جرائم بإهانة الهيئة القضائية للأسف فإن كل ما قيل عن اختصاص مجلس النواب هو عدوان مباشر على الدستور، وكل ما على المجلس هو إعادة الاتفاقية إلى رئيس الحكومة مشفوعة برأى المحكمة ببطلان إبرام هذه الاتفاقية، لأن الاتفاقية ذاتها بموجب الحكم أصبحت هى والعدم سواء، فلم يعد هناك شىء يجوز مناقشته فى مجلس النواب، فدولة القانون تعنى خضوع الأفراد والمؤسسات للدستور والقانون والأحكام القضائية لها حجية ضد الكافة.