بالفيديو| أماكن تخزين وتقطيع السيارات المسروقة تنتشر فى الجعافرة وكوم السمن
وسط بيئة جغرافية وعرة، يقطن أباطرة سرقة السيارات فى أوكار، يحرسها رجالهم بالسلاح الآلى الثقيل، يتخذون من دروبها طرقا للهروب من الملاحقات الأمنية. ما بين مزارع الموالح، ذات الأشجار الكثيفة ومرتفعات الظهير الصحراوى ذى المساحات الشاسعة، وطبيعة المجتمع البدوى المحافظ المحكوم بعادات وأعراف قاطنيه، وسط هذه التضاريس خاضت «الوطن» مغامرة، رصدت فيها أماكن محددة لهذه العصابات داخل القاهرة والقليوبية والجيزة، تشكل هذه التضاريس سياجا مُحكما يؤمن بقاء هذه العصابات.
تقع بؤر تجميع وتخزين السيارات على الأطراف الشرقية لمحافظة القليوبية، ويتنوع نشاطها الإجرامى ما بين السرقة بالإكراه والمخدرات وتجارة السلاح. ويقود العصابات العاملة فى هذه الأنشطة عناصر شديدة الخطورة، جميعهم من الهاربين من السجون، وفقا لأحد المصادر الأمنية بمديرية أمن القليوبية، الذى رفض الإفصاح عن هويته لعدم وجود تصريح من الوزارة له بالتحدث مع وسائل الإعلام، موضحاً أن المحافظة ما زال بها آلاف العناصر الإجرامية المطلوبة أمنيا.
وتعتبر قريتا «الجعافرة وكوم السمن»، بمركز شبين القناطر، أخطر أوكار مافيا سرقة السيارات، وهما ضلعان فيما يطلق عليه أبناء المحافظة «مثلث الرعب» الذى يضم أيضاً «قرية القشيش»، التى اكتفت بتجارة المخدرات، ولم تضم عناصرها الإجرامية سرقة السيارات إلى نشاطها. وتأتى بعد ذلك فى الترتيب منطقة البساتين والمزارع بقرية «نوى» ثم قرية «أبوالغيط» وأخيراً أطراف مدينة أبوزعبل.
كل منطقة من هذه المناطق تختلف عن الأخرى فى تضاريسها وجغرافيتها، التى تمكن المطلوبين أمنيا من توظيفها وترويضها، لكى تكون وكرا يمارسون فيه نشاطهم وحصنا يتحصنون فيه.
«كوم السمن» قرية صغيرة، تقع وسط الرقعة الزراعية على بعد 8 كيلومترات من مركز شرطة شبين القناطر، الذى تتبعه القرية إداريا. يبلغ عدد سكانها 8 آلاف نسمة، وبها عدد غير قليل من المسجلين خطر.[SecondImage]
وعلى بعد 5 كيلومترات من كوم السمن، تقع قرية الجعافرة، وهى قرية صغيرة، تعانى نقصا شديدا فى الخدمات، ويبلغ عدد سكانها 10 آلاف مواطن، ولا يسمح أهالى القرية لأى شخص غريب أن يقيم بينهم.
السيارات «الجيب» موديل الستينات و«التوك توك»، هما وسيلة النقل التى يستخدمها الأهالى. وتضم القرية عشرات من العناصر الإجرامية المطلوبة أمنيا، هم أصحاب الكلمة العليا داخل القرية.
وحسب مصدر أمنى بمديرية أمن القليوبية، فإن أخطر المسجلين العاملين فى سرقة السيارات يدعى «أمين موسى» ويقيم فى فيلا بشارع «الأجزخانة»، وهو رجل فى نهاية العقد الرابع من العمر، نحيف الجسد، صاحب شارب كثيف، ويعمل معه 25 رجلا، معظمهم تعرف عليهم فى السجن الذى هرب منه، إضافة إلى نفر من أبناء قريته، مقيم فى فيلا وسط حدائق الموالح، يتولى حراستها رجاله المدججون بالسلاح الآلى.
فى الفترة الأخيرة بدأت وزارة الداخلية تنفيذ حملات أمنية للقبض على أمين موسى، وداهمت مديرية أمن القليوبية، فى بداية العام الحالى، قرية الجعافرة، لكنها فشلت فى القبض عليه، وهو ما تكرر فى شهر أبريل الماضى، ولم تستطع قوات الشرطة القبض عليه أيضاً، لكنها ألقت القبض على بعض رجاله.
ويأتى بعد أمين موسى، ابنه محمد الشهير بـ«كوريا»، 27 عاما، «مسجل خطر»، وهارب من السجن، ويعمل مع والده. وعلى مدخل نفس الشارع تقبع عصابة أخرى يتزعمها «الدكش»، البالغ من العمر 29 عاما، الملقب بإمبراطور السيارات المسروقة، حيث يعمل فى تجارة المخدرات والسيارات المسروقة.
وأما «سيد شديد»، فهو شاب فى العقد الثالث من العمر، كان يعمل سائقا لإحدى السيارات الأجرة على خط «الجعافرة - بلقس». وبعد الثورة فى ظل الانفلات الأمنى مارس الاتجار فى المخدرات، وانتقل منها إلى عمليات السطو المسلح على السيارات باعتبارها أكثر ربحا.
عند مدخل «الجعافرة» من ناحية قرية السلمانية، يوجد كمين شرطة، يقتصر دوره على الاستفسار والاستعلام عن هوية الغرباء الذين يريدون الدخول إلى القرية والسؤال عن سبب دخولهم، لكن رجال كمين الشرطة يبدون بلا حيلة ولا قوة أمام العناصر الإجرامية.
تتصدر محافظة القليوبية المركز الأول لتجميع وتخزين السيارات المسروقة من محافظة القاهرة وبعض المناطق بالجيزة، وتحتل المحافظة المركز الرابع على مستوى الجمهورية، من حيث عدد حوادث سرقة السيارات، بعد القاهرة والجيزة والإسكندرية، حيث سجلت 1331 حادثة خلال العام الماضى، وفقا لتقرير الأمن العام الصادر عن وزارة الداخلية. وهذا الرقم خاص بالسيارات المسروقة والمُبلغ عنها رسمياً فقط، بخلاف السيارات المسروقة التى لم يبلغ عنها أصحابها.
تأتى «الجيزة» كثانى محافظة فى إقليم القاهرة الكبرى، لتحتل المركز الثانى، فى سرقة السيارات على مستوى الجمهورية، وسجلت خلال العام الماضى 4509 حالات، وفقا لتقرير الأمن العام الصادر فى يناير الماضى. وتنتشر هذه البؤر على أطراف المحافظة، فى بعض قرى مركزى الصف وأطفيح، التى تقبع فى الظهير الصحراوى لمحافظة الجيزة.
وتقع «عرب الحصار»، التابعة لمركز الصف، بمحافظة الجيزة، وسط منطقة صحراوية، ويسكنها أكثر من 15 ألف نسمة، أغلبهم من البدو، حيث يسيطر بعض المسجلين خطر على الظهير الصحراوى للقرية وبعض أزقتها الجانبية، لتخزين السيارات المسروقة حينا من الوقت إلى أن يجرى التخلص منها، بحسب شهادة أحد شباب القرية الذى رفض ذكر اسمه، خوفا من اللصوص، ويبرر تحول المنطقة إلى جراج للسيارات المسروقة، باستفادة هؤلاء من العرف، حيث يجبر جميع أبناء القبيلة على احترام العرف وعدم الوشاية على أحد منهم، خاصة للجهات الأمنية، موضحاً أن العرف يقضى بأن تكون الشكوى للكبير «شيخ القبيلة»، وليس الشرطة، وهو ما ينطبق أيضاً على «عرب أبوساعد» التى تضم عددا كبيرا من الخارجين على القانون، الذين تخصصوا فى سرقة السيارات تحت تهديد السلاح وتخزينها داخل القرية.[ThirdImage]
ساعدت طبيعة المجتمع المتحفظ والبيئة الجغرافية المنعزلة، بحكم وجودها فى الظهير الصحراوى، على حماية العصابات المسلحة التى تقبع وسط أهالى القرية الشرفاء والبسطاء المغلوبين على أمرهم، حيث تضم القرية عددا كبيرا من العناصر الإجرامية، أبرزهم «أ.أ»، الذى يعتبر الرأس الكبير، ويتولى عملية التفاوض مع أصحاب السيارات المسروقة وتأمين عملية التسليم من خلال رجاله، كما يقول فايز شلبى أحد الضحايا الذى سرقت سيارته واستطاع استردادها بعد التفاوض مع السارقين مقابل فدية مالية دفعها لهم، كاشفا أنه شاهد بعض السيارات المسروقة أمام بيته، منها 3 سيارات دون لوحات معدنية، وهو ما أكده له الوسيط، على حد زعمه، أن وجود السيارات المسروقة أمام بيته أمر طبيعى ومعتاد، حتى يتم التصرف فيها، وبحسب فايز، يلجأ الضحايا إلى شيخ البلد أحد شيوخ العرب الكبار داخل القرية لاسترداد سياراتهم المسروقة.
قرية «كفر قنديل»، التابعة لمركز أطفيح ويبلغ عدد سكانها 10 آلاف نسمة، وتشتهر عائلاتها بالعصبية القبلية. نشأت فيها بعض العصابات الإجرامية الصغيرة التى يقدر عدد عناصرها بـ 15 فردا، يقسمون أنفسهم إلى مجموعات ثلاثية أو رباعية، تمارس عمليات السطو المسلح على السيارات ليلا. وكان يوجد بالقرية بعض الخارجين على القانون قبل الثورة، وتمكنت الداخلية من القبض عليهم وتصفية زعيمهم خليل قنديل جسديا. وفى ظل الانفلات الأمنى استطاع الخارجون على القانون تصدر المشهد من جديد فى القرية.
على أطراف محافظة القاهرة من الجهة الشرقية، وتحديدا المنطقة الصحراوية بمدينة النهضة، التى تتبع حى السلام إداريا، يستغل مجموعة من شباب البدو القابعين فى أرجاء المكان، مرتفعا جبليا للتفاوض مع أصحاب السيارات التى يقومون بسرقتها، وبحسب ما رصدته«الوطن» فإن الوكر الذى يقبعون فيه يبعد عن ميدان الإسكندرية بـ4 كيلومترات، خلف محطة صرف صحى يطلق عليها «البركة»، ويحكى «فتحى»: «مع قدوم الليل لا يستطيع أحد أن يمر من هنا، يلزم جميع الأهالى بيوتهم، خوفا من طلقة رصاص طائشة، خاصة أن شباب البدو متهورون، لا يترددون فى إطلاق النار على من يعترض طريقهم أو يشكون فيه».[FirstQuote]
شباب أصحاب أجساد نحيفة، أعمارهم لا تتجاوز العقد الثالث، يرتدون جلبابا أبيض فضفاضا، حول أعناقهم المتشبعة بالسمرة شال فلسطينى، قبضة أيديهم لا تفارق السلاح، يستقلون دراجات نارية فى نشاطهم الإجرامى مع الاستعانة بسيارات الدفع الرباعى، إذا اقتضت الحاجة إليها.
أثناء عبورك بسيارة على طريق «الجزام» الذى يربط بين الخانكة والسلام، تستطيع أن تسترق النظرات، سواء فى ساعات الصباح الأولى أو مع اختفاء أشعة الشمس، لترصد ما يدور على بعد أمتار قليلة داخل «الدولاب»، وهو المكان الذى يستخدمه لصوص السيارات فى التفاوض مع أصحاب السيارات.
يبدأ عملهم نهارا داخل «الدولاب»، حسبما يروى شاب فى نهاية العقد الثالث من العمر، مقيم فى عزبة الصفيح بالخانكة، يسلك يوميا الطريق أثناء ذهابه إلى عمله بمدينة السلام، يرفض ذكر اسمه، ويقول إن أفراد العصابة يبيعون البودرة من الواحدة ظهرا وحتى الخامسة مساء، يدخلون بعدها فى فترة راحة، ليعاودوا نشاطهم ليلا على طريق «السلام - بلبيس»، وطريق «القاهرة - السويس» للسطو المسلح على السيارات، بحسب قول الشاب، موضحاً أن المنطقة أحيانا ما تشهد اشتباكا بالأسلحة الثقيلة بينهم وبين الشرطة، وقد لقى ضابط شرطة حتفه أثناء مداهمة المنطقة فى مارس الماضى.
ويقول اللواء سيد شفيق، مدير المباحث الجنائية بوزارة الداخلية، إن العناصر الإجرامية بمحافظة القاهرة تختلف عن غيرها من المحافظات الأخرى، حيث لا توجد بها عصابات منظمة، إنما تجرى عملية السرقة فيها، من خلال بعض المسجلين خطر، وغيرهم من حديثى العهد بالإجرام الذين يخططون بمفردهم لسرقة السيارات، سواء كانت تقف على جانبى الطريق أو بالسطو المسلح عليها أثناء سيرها، ثم تُباع بثمن بخس يتراوح بين 5 آلاف و10 آلاف جنيه، حسب حالتها أو تجرى مقايضتها بالمخدرات، سواء فى داخل مثلث الرعب بالقليوبية أو فى منطقة العرب، وسط الظهير الصحراوى على أطراف محافظة الجيزة.
وسجلت محافظة القاهرة أعلى نسبة فى سرقة السيارات على مستوى الجمهورية العام الماضى، وفقا للواء سيد شفيق، مدير المباحث الجنائية بوزارة الداخلية، حيث قدر السيارات المبلغ بسرقتها بـ 7318 سيارة، بخلاف التى لم يُبلغ عنها أصحابها، وفضلوا التفاوض مع أفراد العصابات لاستردادها.