العائلة المنكوبة.. أب و3 أبناء وحفيد وزوجة ابن مصابون بـ«السرطان وفيروس سى وهيموفيليا».. و«جبر»: «بنشكر ربنا على الابتلاء»
عم جبر فقد ابنه بسبب السرطان وابنه الآخر مصاب
جاء إلى منزله مسرعاً أملاً فى قسط من الراحة، وللاطمئنان على أولاد ابنه الراحل «أحمد». يجلس على الأرض لتناول بضع لقيمات تسد جوعه، يمد يده إلى «زير المياه»، الذى نصح به الطبيب، لزوجة ابنه، فى محاولة للحصول على كوب ماء خالٍ من الشوائب، دون اكتراث برائحة الماء العكر التى ستتطاير مع الوقت، يرتشف قليلاً من الماء غير مبالٍ بما قد يسببه له من أمراض، فكبده أنهكه المرض السرطانى، كما كان سبباً فى موت نجله «أحمد» صاحب الـ«27 عاماً» تاركاً وراءه طفلين، يتكفل بهما الجد وزوجة تعانى من نفس مرض الزوج الراحل.
مرت الأيام سريعاً أمام أعين الجد، لكن الشبح السرطانى أبى أن يترك الأسرة تعيش فى سلام، ليقع الابن الثانى «عبده» فريسة للمرض، بعدما هاجم معدته، ولتسجل العائلة ثالث إصابة بمرض السرطان.
«الأب»: ما عنديش وظيفة وبصرف على عيالى وولادهم وننتظر زيارة السيسى بعد أسابيع للجزيرة الخضراء علشان نقوله «انظر لحال الغلابة يا ريس.. يوم بنشتغل وعشرة لأ وحالتنا تعبانة»
داخل منزله الصغير الواقع فى قرية معدية رشيد، التابعة للوحدة المحلية بقرية الجزيرة الخضراء بمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، استقبلنا جبر محمد عبدالستار، الجد الستينى، معتذراً عن رائحة مياه الصرف الصحى التى طافت من «الطرنش» الملحق بالمنزل لتخرج فى طريقها إلى الشارع عبر الممر الصغير الذى حفره الأهالى وسط شوارعهم الضيقة لينتهى فى ترعة الرشيدية القديمة.
يعتدل الرجل فى جلسته متذكراً صغيره «أحمد» المتوفى: «كان سليم ومعافى لحد لما مرة واحدة جاله مغص، لفينا بيه على دكاترة كتير بس محدش عرف يشخص حالته، لحد لما رُحنا المستشفى الميرى فى الإسكندرية، وهناك شخصوا المرض وقالوا إنه مصاب بسرطان وكان للأسف المرض منتشر فى جسمه».
يصمت الرجل محاولاً حبس دموعه فى عينيه: «ابنى قعد 4 سنين تعبان وعملنا له 4 عمليات استئصال ورم فى المستشفى الميرى، ورغم تعبه إلا أن كلمة (الحمد لله) كانت لا تفارقه، عندما يسأله أحد عن صحته، طول الوقت كان قاعد يذكر ربنا ويشكره على الابتلاء لدرجة إنه كان بيحفر الآيات القرآنية على العصاية اللى كانت بتساعده على المشى».
لم تنته مأساة الحاج جبر برحيل ولده وإنما استمرت معه عندما علم أن زوجة ابنه الراحل مريضة بنفس مرض زوجها، وتصبح أغلب الوقت طريحة الفراش لا تقوى كثيراً على الحركة أو تربية الأولاد، تقبل الجد أمر الله وقضاءه، تمر الشهور ويفاجأ للمرة الثالثة أن ابنه الثانى «عبده»، صاحب الأربعين عاماً، مصاب بسرطان فى المعدة، قائلاً: «ابنى لسه مكتشف مرضه بسرطان المعدة فى يناير اللى فات ومفيش فى إيدينا حاجة نعملها غير الدعاء وأنا على باب الله بشتغل بدراعى على خلاطة، وعيالى محدش عنده وظيفة ولا أى حاجة، مكانش عندنا الحاجات دى ولا أهالينا، شايفة الصرف والمياه طافحة، انتو داخلين وأنا مكسوف منكم».
«عبده»: «نطالب بتغطية ترعة الرشيدية القديمة وإدخال مشروع الصرف الصحى للقرية.. وبعد استئصال جزء من المعدة مش قادر أشتغل زى زمان»
أسئلة كثيرة يبحث لها الوالد عن إجابة تأتى على رأسها السؤال الذى طالما حيره: «من أين أتى لنا هذا المرض؟ يبحث حوله عن إجابات، فلا يجد إلا إجابة واحدة بحسب كلامه وهى ارتفاع نسبة التلوث فى قريته واختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحى، ورغم أن التلوث هو أحد عوامل الإصابة بالمرض الذى تعددت واختلفت أسباب الإصابة به، إلا أن الحاج جبر يرى أن القمامة المتراكمة فى ترعة الرشيدية القديمة وعدم اهتمام المسئولين بتطهيرها أولاً بأول، ولجوء أهالى القرية لرمى مياه الصرف الصحى بالترعة واستخدام المياه فى غسل أوانى الطهى ربما تكون سبباً فى إصابة أولاده بالمرض وهو ما جعله يعلق آمال دخول الصرف الصحى إلى قريته وتغطية الترعة، على زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لمركز الجزيرة الخضراء خلال الأسابيع المقبلة مردداً: «الرئيس السيسى جاى عندنا الشهر الجاى، عايزين نقوله انظر فى حال الغلابة ياريس، معنديش أى وظيفة أو دخل ثابت وبصرف على عيالى وولادهم ويوم بشتغل وعشرة لأ، مالناش غير ربنا وقولة الحمد لله زى ما انتى شايفة حالتنا تعبانة خالص».
انتهى الوالد من حديثه ليلتقط ابنه «عبده»، المصاب بسرطان المعدة، أطراف الكلام: «الحمد لله على ابتلاء ربنا، الواحد الأول كان شغال وبيقدر يساعد فى مصاريف البيت لكن بعد اكتشاف مرضى فى شهر يناير وقيامى بعملية استئصال جزء من المعدة وأنا مش قادر أشتغل زى زمان».
يتابع «عبده»: «الدكتور قالى لازم عملية سريعة لاستئصال الورم، ناس ولاد حلال وقفوا جنبى وعملت العملية، وبقالى 6 شهور من قبل العملية بوقت قصير ما اشتغلتش، مش قادر وعندى 3 أولاد منهم ولد عنده مرض الهيموفيليا، لو وقع أو اتخبط أروح أعالجه فى المستشفى العام فى الشاطبى، بياخد بلازما وساعات كتير بتعمل له حساسية».
بجسد نحيل أنهكه التعب وصوت متهدج أتعبه ضيق الحال، فكر الوالد أن يقوم بإخراج ابنه من المدرسة ليساعده على كسب قوت يومه والصرف على البيت ومساعدته فى علاجه وعلاج أخيه الصغير المصاب بمرض الهيموفيليا إلا أنه لم يستطع الوقوف أمام مستقبل ابنه باكياً: «الدكتور قالى من سنتين لتلات سنين لازم آخد علاج كيماوى، وباخد علاج للكبد والمعدة والقولون وعندى المرىء تعبان من زمان مابقدرش آخد نفسى، محتاج أى حاجة تساعد معايا عندى طفل فى تالتة إعدادى صعبان عليا أطلعه من المدرسة».
المفاجآت فى عائلة «جبر» لا تنتهى، وكذلك الأمراض التى غزت العائلة، لينضم فيروس سى إلى العائلة من خلال الأخ «قاسم» الذى وجد نفسه مصاباً بالمرض عندما قام بالتحليل فى القافلة الطبية التى كانت تجوب القرية، أما عن المفاجأة الأخيرة فكانت فى وجود 150 فداناً تروى أراضيها من ترعة الرشيدية التى يصب بها أهالى القرية صرفهم الصحى من إجمالى 200 فدان تم تبوير 50 فداناً منها بعدما تردت الحالة فى بعض أجزاء الترعة، لتكون أمنية الابن هى نفسها أمنية الأب فى ضرورة إدخال الصرف الصحى إلى قريتهم وتغطية الترعة آملين فى أن تنعكس زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى بالخير على قريتهم، خاصة أن المسافة بينهم وبين مشروع الاستزراع السمكى الذى سوف يفتتحه الرئيس لا تتعدى الخمسة كيلومترات، مردداً: «من ساعة لما حفروا ترعة الرشيدية الجديدة والاهتمام كله بيها لأنها جنب مشروع الاستزراع السمكى وفرع الترعة القديمة تم إهماله لأنه داخل القرى، نفسنا المسئولين ينزلوا يبصوا ويعدوا علينا»، وهو الأمر الذى أكده عدد كبير من الأهالى بأن آخر زيارة لمسئول فى قريتهم تعود إلى المحافظ أحمد زكى عابدين، أى قبل ثورة 25 يناير بعامين.