بروفايل: محمود.. يا بدر الثورة
قالوا أنتم غير قادرين على الحشد، الإسلاميون فقط يحشدون ويملأون الميادين، قالوا أنتم بلا وزن، معارضتكم خواء، وصفوفكم مشروخة، وجبهتكم ممزقة، وثورتكم لم تكن يوماً ثورتكم، من بعيد، من قلب اليأس الذى غلف الجميع، جاء شاب عشرينى غض، خمرى كما لون نيل تجف منابعه، متوقد كجذوة نار بين ركام حطب عجوز، راح يجمع توقيعات البسطاء فى الأقاليم والمحافظات والصعيد ووجه بحرى، يخبرهم بأن مصر تضيع، وأنه لا شىء تحقق مما وعد به «المنتخب» القادم بالصندوق وعصر الليمون، فى المعسكر الآخر، ينظر إليه بتعالٍ فحول «الجماعة» و«صبيانها» ويقولون: من ذا يزيح الإخوان؟ فيجيب الشاب: الشعب.
يمر الأسبوع الأول، يجمع مائتى ألف توقيع، يمر الثانى، تنتشر الحملة والدعوات والمتطوعون كما النار فى الهشيم، تصل التوقيعات إلى مليونين، ينتفض الإعلام إلى تلك القاعدة الشعبية الجديدة، ثمة تغيير يحدث فى القاع، اضطراب غير مسبوق، يتحدث مَن هم بلا صوت، يتمرد المقموعون والمهمشون والمغيبون والمشترون بزجاجات الزيت والمغلوبون على أمرهم، الشعب الذى فرقه «رئيس»، تجمعه «استمارة تمرد».
كانت الجبهة فعلاً ممزقة، «الإخوان» يحاولون استقطاب ما استطاعوا من «جبهة الإنقاذ»، حاولوا فى البداية خلق النظير وسموه «جبهة الضمير» فلم يلتفت إليه أحد، وعندما بدا أن «تمرد» وشبابها يحققون نجاحات متتالية، اختلقوا شيئاً آخر وسموه «تجرد»، بارعون فى خلق النظائر دون ابتكار، حاولوا التشكيك فى مصداقيتها، طعنوا فى وطنية مؤسسيها، فى أهدافهم، وفى لحظة توحد لم نألفها منذ 12فبراير 2011، ساعة سقط مبارك، توحدت قوى المعارضة الحقيقية خلف تمرد، انضمت «كفاية» و«جبهة الإنقاذ» و«6أبريل» و«الوطنية للتغيير» وغيرهم، الكل على قلب رجل واحد، شاب واحد، قرر التمرد، فتبعوه.. اسمه محمود بدر.
ساعة كان فى الخامسة من عمره، اصطحبه والده الشاعر والناشط الحقوقى إسماعيل بدر إلى ضريح عبدالناصر، فألقى على الحاضرين قصيدة نزار قبانى «قتلناك يا آخر الأنبياء»، فترعرع ناصرياً ثورياً، اشتغل بالصحافة والإعداد التليفزيونى، فتنقل بين صحف «صوت الأمة» و«التحرير» و«البيان» الإماراتية و«الصباح»، ثم معداً لبرنامج العاشرة مساء بقناة «دريم».
اشتغل بالعمل العام مبكراً، فى 2005 قال عنه عبدالحليم قنديل إن هذا الشاب سيكون خليفة كمال أبوعيطة، هو بارع فى ابتكار الهتافات ومرتجل ذكى، عندما حاصر شباب الثورة برلمان الإخوان حملوه على الأعناق وهتف: «والله زمان والله زمان الشرطة بتحمى الإخوان»، وفى انتخابات نقابة الصحفيين عام 2009، بعدما فاز شيخ الصحفيين مكرم محمد أحمد على النقيب الحالى ضياء رشوان، قال هتافه الشهير: «يكفينا شرف المحاولة.. كنا شباباً فى مواجهة الدولة».
وأمس الأول، وقف «بدر» ليعلن وصول التوقيعات التى جمعتها تمرد إلى ما يزيد على 22 مليون توقيع، مؤكداً: «الشعب مش نازل يقوله امشى، الشعب نازل يقوله إنت مشيت»، ثم هتف خلفه الحضور: «الشعب خلاص أسقط النظام».