رأينا فى مقال سابق أن مجلس الأمن الدولى ينظر إلى الأعمال الإرهابية الدولية باعتبارها تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، شأنها فى ذلك شأن الحروب التى تنشب بين الجيوش النظامية. بل إن مجلس الأمن قد أكد فى أكثر من مناسبة أن «الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يمثل أحد أشد الأخطار التى تهدد السلام والأمن الدوليين». ولعل هذا النظر يتعزز بالعديد من الملاحظات: فمن ناحية أولى، ومع بداية الألفية الثالثة، وتحديداً منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر، بدأ الحديث عن «حروب الجيل الرابع». فلم يعد مفهوم الحرب يقتصر على الشكل التقليدى لها بين جيوش نظامية وأرض معارك محددة بين جيشين أو أكثر يمثلون دولاً فى حرب ومواجهة مباشرة. ففى الجيل الرابع من الحروب، يجد الجيش النظامى نفسه فى مواجهة تنظيمات محترفة تملك إمكانيات كبيرة ولها خلايا خفية تنشط لضرب مصالح الدولة الحيوية، كالمرافق الاقتصادية وخطوط المواصلات، لمحاولة إضعافها أمام الرأى العام الداخلى، تمهيداً لإسقاطها. وغالباً ما تمارس هذه التنظيمات حرباً بالوكالة عن دول أخرى لها مصلحة فى إنهاك الدولة المستهدفة والقضاء عليها. ومن ناحية أخرى، وحتى عهد قريب، كانت أعمال الإرهاب تستهدف المدنيين ورجال الشرطة القائمين على حفظ الأمن الداخلى. ولكن، بدأنا نشهد مؤخراً أعمال الإرهاب التى تستهدف رجال الجيش فى منشآتهم العسكرية، مستخدمين فى هجماتهم أحدث أنواع الأسلحة التى لا تستخدم سوى فى الحروب، مثل الـ«آر بى جى» والقنابل والهاون وغيرها من المعدات والآليات العسكرية. وبلغ الحد إلى خوض معارك مع رجال الجيش والشرطة تمتد لبضع ساعات. ولم يعد هدف الإرهابيين هو ارتكاب جرائم القتل والتخويف والترويع والفرار قبل أن تصل إليهم قبضة رجال الأمن، وإنما عمدوا فى بعض الحالات إلى خطف بعض رجال الجيش أو الشرطة، كما حدث فى حادث الواحات الإرهابى، والذى قاموا خلاله بخطف النقيب «محمد الحايس» قبل أن تنجح جهود قواتنا المسلحة الباسلة فى تحريره. ويبدو أن مرادهم من ذلك هو إجبار الدولة على القبول بفكرة تبادل الأسرى، على نحو ما يحدث فى الحروب التقليدية. ومن ناحية ثالثة، لا مراء فى أن عدد ضحايا الهجمات الإرهابية منذ الثلاثين من يونيو 2013م وحتى تاريخه يفوق بشكل كبير ضحايا كل الحروب التى خاضتها مصر ضد العدو الصهيونى. ولا شك أن الحرب ضد الإرهاب التى يخوضها رجال الجيش والشرطة هى أطول حرب تخوضها مصر عبر تاريخها، بحيث دخلت عامها الرابع. وبعد نجاح الجيش المصرى العظيم فى السيطرة على منطقة جبل الحلال، سمعنا الكثير من الأحاديث والتحليلات عن تورط العديد من أجهزة المخابرات الأجنبية فى دعم الجماعات الإرهابية. ومن ناحية رابعة، لم تعد الجماعات الإرهابية تجنح إلى العمل السرى لتنفيذ أهدافها، وإنما قامت بإنشاء معسكرات للتدريب فى بعض الدول المجاورة، حيث يتلقى أفرادها تدريبات عسكرية أشبه بما هو موجود فى الجيوش النظامية. بل إن جماعة الإخوان قد عمدت فى سنة 2006م إلى عمل تشكيلات شبه عسكرية، على غرار الميليشيات التابعة لحزب الله اللبنانى وحركة حماس الفلسطينية، من بين صفوف الطلاب بجامعة الأزهر، وإلزامهم بارتداء أزياء محددة وتسليحهم ببعض العصى والجنازير، ودفعهم للتظاهر وإحداث وقائع عنف وشغب داخل الجامعة وخارجها، وذلك على نحو ما هو ثابت بالتحقيقات فى القضية رقم 963 حصر أمن دولة عليا، والمعروفة إعلامياً باسم «قضية ميليشيات الأزهر». ولا خلاف فى أن ذلك يشكل انتهاكاً صارخاً لسيادة الدولة، ومخالفة صريحة لإحدى مواد الدستور المتعلقة بالقوات المسلحة، والتى تحظر على أى فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية (المادة 200 من الدستور). كذلك، لم يعد هدف جماعات الإرهاب هو زعزعة الأمن والاستقرار فى المجتمعات المستهدفة، وإنما عمدت فى بعض الحالات إلى إظهار سيطرتها على بعض المناطق تمهيداً لإعلان إنشاء دويلة أو إمارة عليها. ولا يخفى على أحد أن غاية جماعات الإرهاب التى تحارب الدولة المصرية هى إعلان قيام ما يطلق عليه «إمارة إسلامية» فى شبه جزيرة سيناء.
وهكذا، تتعزز النظرة إلى الإرهاب الدولى باعتباره أحد أشكال الحروب، وتقف وراءه أجهزة مخابرات أجنبية. ولعل ما يسترعى الانتباه هنا أن الفقه الإسلامى استخدم تعبير «حد الحرابة» كجزاء يوقع على من يقوم بقطع الطريق وإخافة السبيل والإفساد فى الأرض. ويبدو أن لفظ «الحرابة» مشتق من الآية القرآنية: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ».
وما دام الإرهاب الدولى هو وسيلة الجيل الرابع من الحروب، يغدو من الضرورى تطوير الفكر القانونى والقضائى بشأنه، الأمر الذى نتناوله فى المقال المقبل.