عبدالمنعم سعيد: السادات كان عقلية جبارة.. وتسلم البلد «مكسحة».. ومقولة «انفتاح السداح مداح» كلام فارغ
عبدالمنعم سعيد
قال الدكتور عبدالمنعم سعيد، المفكر السياسى، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إن الرئيس الراحل أنور السادات كان صاحب عقلية استراتيجية جبارة استطاعت التعامل بنجاح مع واقع صعب ومعقد، وتمكّن من إحداث نقلة كبيرة على مستوى الوضع الداخلى والعلاقات الخارجية، مشيداً بإدارته لملف الصراع العربى الإسرائيلى، والانفتاح الاقتصادى والسياسى. وأعلن «سعيد»، فى حوار لـ«الوطن»، رفضه الشديد لمقولة إن الانفتاح كان «سداح مداح»، مؤكداً أن هذه المقولة «كلام فارغ». وأضاف أن السادات تسلم البلاد «مكسحة»، واستطاع أن يضعها على الطريق الصحيح، واصفاً السادات بأنه كان أنضج فكرياً من عبدالناصر، واعتبر أن تجربته لم تكتمل بسبب قصَر فترة حكمه وحجم التحديات الكبيرة التى شهدتها هذه الفترة.. وإلى نص الحوار:
كيف تقيّم فترة حكم الرئيس السادات التى استمرت 11 عاماً؟
- عندما ننظر إلى فترة حكم السادات يجب أن نتوقف عند 3 ملفات رئيسية، الأول هو التغيير السياسى الداخلى، لأنه أقدم بالفعل على تغييرات سياسية حاول من خلالها إقامة تعددية سياسية وحزبية من خلال فكرة المنابر الثلاثة التى تطورت إلى الأحزاب، وكانت هناك بدايات حراك سياسى وديمقراطى، لكن هذا التغيير لم يكن جوهرياً، واستمر الانطباع بأنه كان بنية النظام السياسى القائم على امتداد نظام الحزب الواحد، ولا يمكننا القول إنه كانت هناك ديمقراطية حقيقية كاملة يتم ممارستها على الأرض. لكن التغيير الحقيقى الذى حدث يتعلق بالملفين الآخرين، ملف إدارة الصراع العربى الإسرائيلى بطريقة أكثر كفاءة من أوقات سابقة، وملف الانفتاح على العالم والخروج من عباءة الاشتراكية الذى أعطى قبلة حياة جديدة للاقتصاد المصرى وعلاقات مصر الدولية.
البعض يقول إن السادات تصرّف بشكل منفرد فيما يخص عملية السلام وتسبب فى تفكك الصف العربى.. ما رأيك فى ذلك؟
- هذا غير صحيح، طريقة إدارة السادات لهذا الملف، بداية من الحرب وصولاً إلى السلام، هى التى ساعدت على استرداد الشرف المصرى والعربى. دعنا من المزايدات التى يرددها الناصريون والقوميون.
كان أنضج فكرياً من عبدالناصر.. وأدار ملف الصراع العربى الإسرائيلى بكفاءة عالية
هل ترى أن هذه الآراء مزايدات غير واقعية ولم تكن تخدم المصلحة الوطنية؟
- بالطبع، مزايدات رخيصة، فالمصلحة الوطنية هى استرداد الأرض، لا يوجد ثمن يساوى تحرير أرض محتلة، الأرض المصرية عادت بالحرب وبالسلام، وأنا أقول إنه إذا لم يقدم السادات على هذا المسار بشجاعة لكنا بقينا «مذلولين» ونشعر بالعار طوال حياتنا، لسنا على رؤسنا بطحة، نحن تصرفنا بعلنية ووضوح وكرامة وللحفاظ على المصالح الوطنية، وكان على العرب أن يفهموا السادات، لكنهم فهموا متأخراً.
أشدت بمسار الانفتاح الذى اتخذه السادات، فى رأيك ماذا استفادت مصر من هذا التوجه الجديد؟
- استفادت مصر أنها خرجت من عباءة الاشتراكية التى حجمت البلد وثبت فشلها فى جميع التجارب الأخرى، وفى تقديرى أن السادات هو أول رئيس فى العالم الثالث يتبنى طريقاً جديداً فى التنمية يختلف عن الطرق السابقة التى كانت تقوم على تدخل الدولة فى كل شىء. السادات أدرك مبكراً الوهن الذى أصاب الاتحاد السوفيتى وأصاب غيره من الأنظمة القائمة على تدمير الملكية الفردية كما كان الحال فى مصر، وأيقن أنه لا بديل عن الخروج من هذا القمقم.
وما رأيك فى مقولة «انفتاح سداح مداح»؟
- مع احترامى للصحفى والكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، صاحب هذا الوصف، لكن الانفتاح لم يكن «انفتاح سداح مداح». هذا الوصف «كلام فارغ»، ومن يقول إن الانفتاح الاقتصادى أثر على مصر سلبياً فهو يتحدث بعيداً عن الواقع. والحقيقة أن الذى أثر على مصر سلبياً كان الناصرية التى قزّمت الناس، والاشتراكية التى كتّفت البلد.
لخروج من عباءة الاشتراكية أعطى قُبلة الحياة للاقتصاد المصرى.. واتهامه بتفكيك الصف العربى «مزايدة رخيصة».. والعرب فهموه متأخراً
هل ترى أن السادات كان «سابق عصره»؟
- السادات كان عقلية استراتيجية جبارة استطاعت التعامل بنجاح مع واقع صعب ومعقد.
كيف كان السادات قريباً من عبدالناصر وشريك مرحلة ونائباً له فى أيامه الأخيرة، ثم أقدم على هذه التحولات من بعده؟
- من يعرف السادات ويعرف تاريخه جيداً يدرك أنه كانت هناك مسافة بينه وبين عبدالناصر طوال الوقت، ولا يعنى وجود مسافات فى التفكير أن نكون أعداء، فهما أصحاب مصلحة واحدة أو هدف واحد لكن كانت هناك مسافة، وأنا أعتقد أن ما ساهم فى تعزيز هذه المسافة هى الفرصة التى حصل عليها السادات فى السفر إلى الخارج ورؤية ما يحدث فى روسيا ثم رؤية ما يحدث فى الولايات المتحدة الأمريكية. سفر السادات للخارج لفترة من الوقت واطلاعه على ما يحدث فى العالم ساعده على الإفاقة من الغيبوبة الاشتراكية، ببساطة شديدة السادات قارن بين التقدم والتخلف، وكان قارئاً ممتازاً باللغة الإنجليزية، وتقريباً قرأ معظم ما يفرزه الفكر الاستراتيجى حول العالم، وهذا ساعده على أن يكون عنده أفق أوسع من غيره.
هل أفق السادات أوسع من عبدالناصر؟
- نعم. وهنا نحن لا نتحدث عن الوطنية، لكن نتحدث عن الأفق والرؤية والفكر، فالسادات كان أنضج فكرياً من عبدالناصر بلا شك.
وما الخطأ الذى ارتكبه السادات خلال فترة حكمه؟
- ربما الخطأ الكبير أنه أعطى فرصة واسعة للجماعات الراديكالية الإسلامية على الساحة العامة والسياسية، فاغتالته بعد ذلك، ثم دفعنا جميعاً ثمنها على مدار العقود الماضية.
أعظم أخطائه أنه سمح للجماعات الراديكالية الإسلامية بالظهور على الساحة
هل تعتقد أن السادات أدرك فى نهاية حكمه هذا الخطأ؟
- فى رأيى أن تجربة السادات قصيرة جداً ولم تكتمل، لكن يمكن أن نقول إن السادات مات بدرى شوية، ولو كان عنده فرصة أوسع لاكتملت تجربته بصورة أكبر، خاصة أن الرئيس مبارك الذى تولى السلطة بعده كان متردداً جداً.
ما أكبر التحديات التى واجهت تجربة السادات فى تقديرك؟
- تحديات كثيرة، بداية من أرض محتلة، واقتصاد تم تدميره، فناصر ساب البلد مكسحة، وماكناش عارفين نتواصل مع العالم الخارجى، كل هذه تحديات واجهت السادات، لكن فى رأيى أنه واجه بعد ذلك تحدياً آخر، وهو عدم وجود قيادات كبيرة فى البلد ذات كفاءة عالية فى ملفات متنوعة، وهذه كانت مشكلة كبيرة تواجهه.