عاد لبرلمان 1926.. يوم انتصر «الوفد» على الملك
سعد زغلول يقود تظاهرة ضد الملك فؤاد بعد قراره حلّه برلمان 1925
كانت الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق من صباح 23 مارس 1925، عندما اجتمع مجلس النواب الجديد، وبعد مداولات أجري الاقتراع السري على رئاسة المجلس، وكانت المفاجأة المربكة، فوز سعد زغلول رئيس حزب الوفد بـ123 صوتاً، مقابل 85 صوتاً لمرشح الملك عبدالخالق ثروت.
حاول سعد زغلول أن يخفف من عمق الصدمة، فأعلن في كلمته التي ألقاها بعد انتخابه أنه سيكون ممثلا للدستور لا لحزب، وأنه يسأل الله أن يعينه على خدمة الوطن و«المليك» المحبوب، وأوقفت الجلسة.
وفي الساعة الخامسة عاد انعقاد الجلسة لانتخاب بقية أعضاء هيئة مكتب المجلس، وكيلين وأربعة سكرتيرين وثلاثة مراقبين، وفاز مرشحو سعد زغلول في الانتخابات، علي الشمسي، وويصا واصف بالوكالة، وأحمد ماهر، وعلي حسين، ومحمد عبداللطيف سعودي، وراغب فودة بالسكرتارية.
اتضح أن «الوفد» يمتلك أغلبية برلمانية قوية داخل المجلس، وزادت عمق الصدمة على الملك فؤاد ووزارة أحمد زيور، وتقرر حلّ البرلمان وهو مازال يواصل انتخاب بقية هيئة المكتب، وبقى التنفيذ.
ويحكي سامي مهران، الأمين العام الأسبق لمجلس الشعب، أنه «قبل انتخاب المراقبين دخل عدد من أعضاء مجلس الشيوخ وأشخاص غرباء قاعة المجلس، وراءهم الوزراء ورئيس الوزراء، الذي تلا بأعصاب باردة المرسوم الملكي بحل المجلس الوليد، في غيبة سعد زغلول، الرئيس الذي انسحب من الجلسة قبل ذلك بلحظات، تاركاً لوكيل المجلس علي الشمسي عبء الاستماع إلى هذا المرسوم، لينفض المجلس في الساعة السابعة وخمسين دقيقة، في أول تحد لدستور 1923».
لم يقف «الوفد» ساكنا أمام محاولات منعه من الوصول إلى السلطة، وشرع في إجراء تعبئة سياسية، زادت شدتها بعد استقالة المندوب السامي البريطاني في مصر من منصبه، وانتهى جهد الوفد إلى عقد مؤتمر يمثل جميع الأحزاب ليقرر الوسائل المؤدية إلى إنفاذ الدستور، والاحتجاج على أعمال الوزارة، وتخليص الحياة النيابية مما أعاقها.
واستجاب رؤساء الأحزاب، وقرروا أن يضربوا بقرار الحلّ عرض الحائط، وأن يذهبوا إلى البرلمان 21 نوفمبر 1925 للاجتماع فيه، ولكن الحكومة قد اتخذت جميع الاستعدادات، ومنعت الشيوخ والنواب من الدخول بالقوة العسكرية.
وفي نفس اليوم، الساعة الحادية عشرة صباحاً، اجتمع أعضاء البرلمان في فندق «الكونتننتال»، وتكامل عددهم القانوني، وقرروا بالاجماع الإطاحة بالحكومة، وانتخب أعضاء مكتب المجلس، وانفض الاجتماع ورفع القرار إلى الملك.
كان التأييد الشعبي لـ«الوفد» جارفا، ونجح في الوصول إلى هدفه بعقد نوع من التحالف مع أحزاب الأقلية، وأسفرت الجهود عن وضع الملك في أحرج موقف.
وفي 22 نوفمبر 1925، اجتمع أمراء الأسرة الملكية في سراي الأمير كمال الدين حسين، لبحث معارضة الوزارة في تنفيذ قرارات البرلمان، وقرروا تكليف الأمير يوسف كمال بحمل مذكرة إلى الملك جاء فيها: «نواب الأمة قرروا عودة الحياة النيابية، وعدم إجابة هذه الرغبة الجليلة تثير القلق، ولا يتفق مع رغبات جلالته، ولهذا يضم الأمراء صوتهم إلى صوت نواب الأمة وشيوخها».
تزايد الحرج الذي وقع فيه الملك إلى درجة خطيرة، ومع ذلك ظل يقاوم، وحاول أن يمضي في خطته، وفي 8 ديسمبر 1925 أصدرت وزارته قانون الانتخاب الجديد الذي انشغلت بوضعه منذ أن حلّ المجلس في 23 مارس ليفي بالغرض وهو عزل «الوفد».
واجتمعت الأحزاب كلها، وأصدرت قراراتها بأن هذا القانون باطل، ولا يجوز العمل به، ويعد عبثا ظاهرا بالحياة النيابية، وثورة على الدستور.
وفي 8 فبراير 1926، اجتمع أعضاء مجلس الشيوخ في النادي السعدي، وعارضوا تصرفات الحكومة وطالبوا بعدم تنفيذ قانون الانتخاب، وعودة البرلمان تحقيقا لرغبات الأمة، ولم يعد هناك موضع للمناورة، وقرر الملك الرضوخ أمام إجماع الأحزاب، وانسحب رئيس الوزراء بأوامر ملكية.
وفي 19 فبراير 1926، عقد مؤتمر وطني برئاسة سعد زغلول في دار محمد محمود رئيس حزب الأحرار الدستوريين، حضره جميع أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وقيادات الأحزاب، والوزراء السابقين، وأعضاء مجالس المديريات، والمجالس المحلية، ونقابات المحامين، والشرعيين، وأعضاء مجالس الغرف التجارية، والنقابة الزراعية.
وقرر الحاضرين في المؤتمر الذي بلغ عددهم 1097 شخصاً، دعوة الأمة إلى الانتخابات حسب القانون رقم 4 لسنة 1924، وتأليف وزارة موثوق بها من الأمة، وانتخاب لجنة لتنفيذ قرارات المؤتمر.
وفي 23 فبراير، أصدرت الوزارة مرسوماً بإجراء الانتخابات المقبلة، طبقا لأحكام القانون القديم الصادر سنة 1924، كما طلب شيوخ الأمة، وانتصر «الوفد» بالائتلاف مع حزب الأحرار الدستوريين.
وفي أبريل 1926 صدر مرسوم بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس النواب يوم 22 مايو، فأسفرت نتيجة الانتخابات عن فوز جميع نواب الأحزاب المؤتلفة.
وفي 3 يونيو اجتمع النواب المنتخبون في فندق «الكونتننتال» لتقسيم جائزة النصر، وطلبوا من سعد زغلول زعيم الأغلبية في المجلس أن ينزل عن رئاسة الوزراء مراعاة لصحته، وتسليم زمام الحكم إلى عدلي يكن يساعده فيه وزراء وفديون وأحرار دستوريوين، فوافق المجتمعون.
وفي 6 يونيو أصدرت الوزارة القديمة التي ظلت متمسكة بمناصبها بعد ظهور نتيجة الانتخابات، مرسوما بدعوة البرلمان إلى الانعقاد 10 يونيو، وقدمت استقالتها للملك في 7 يونيو فقبلها، وعهد في اليوم نفسه إلى عدلي يكن بتأليف الوزارة، فشكلها من الأحزاب المؤتلفة.
وفي 10 يونيو افتتح البرلمان دور انعقاده العادي الأول للهيئة النيابية الثالثة، وتليت فيه خطبة العرش، وبدأت الحياة النيابية سيرتها الأولى بعد أن تعطلت سنة وشهرين و17 يوماً.