علا الشافعي تكتب: "ماجدة".. ورحلت صانعة السينما والجمال
علا الشافعي
يوم واحد يفصل بين رحيل ماجدة الصباحي وفاتن حمامة والتي تحل ذكرى رحيلها الخامسة في 17 يناير، وكأن شهر يناير من كل عام جديد بات مرتبطا بذكرى رحيل الكبار من أيقونات السينما المصرية، جيل الجمال والإخلاص للمهنة أو زمن الأبيض والأسود كما يروق للبعض أن يطلق عليه.
ماجدة الصباحي والتي عرفت بدلعها الزائد ورقتها المتناهية ونبرة الصوت المميزة، لم تكن مجرد نجمة عابرة في تاريخ السينما المصرية، بل واحدة من أهم صناعها، الذين سبقوا بأفكارهم وأحلامهم الكثيرين.
ماجدة ابنة واحدة من كبرى عائلات المنوفية وهي عائلة الصباحي، والمولودة في مدينة طنطا نظرًا لظروف عمل والدها، كان من الممكن أن تعيش حياة شديدة الرفاهية، يتحقق لها كل ما تحلم به، لكنها بعد أن أنهت دبلومة اللغة الفرنسية، وتعرفت على الثقافة الفرنسية لم تخضع للقيود من حولها، وكان التمرد ثمة مميزة في مشوارها الفني منذ أن خطت أولى خطواتها الفنية، صحيح أن العائلة حاصرتها في أولى تجاربها وكانت تقف لها، إلا أنها أصرت على استكمال حلمها رغم أنها كانت في الخامسة عشر من عمرها عندما قررت أن تمثّل بعد أن عرض عليها المخرج سيف الدين شوكت المشاركة في فيلم "الناصح" عام 1949 أمام إسماعيل ياسين، لكنها طلبت منه تغيير اسمها على التتر إلى ماجدة حتى لا يعرف أحد من أسرتها.
ونشبت مشكلات عدة بين أسرتها وبين أسرة الفيلم أدت لتعطيل العرض لمدة عام كامل قبل أن تنجح الوساطة التي استقدمتها ماجدة في تهدئة الأمور، وفي إقناعهم بعرض الفيلم، ومن بعدها بدأت في تشكيل ملامح مشواراها الفني.
كان من السهل أن تخضع ماجدة لتصنيف المخرجين والمنتجين وتواصل تقديم دور الفتاة الدلوعة والرومانسية، لكنها رفضت التصنيف وتمامًا كما اختارت أدوارًا مختلفة مثل "الآنسة حنفي" ذلك الفيلم الطليعي، للمخرج فطين عبد الوهاب ومع إسماعيل ياسين وعدد من النجوم والذي كان سايق لعصره، قررت أن تأسس شركة الإنتاج الخاصة بها، وأسمتها "أفلام ماجدة" والتي كان مقرها في عمارة الإيموبيليا، وانطلقت لتقدم تجارب شديدة التنوع ما بين أفلام دينية وسياسية، وأخرى حربية، ومنها "انتصار الإسلام" و"بلال مؤذن الرسول"، ومن أفلامها الوطنية فيلم "الله معانا" وفيلم "جميلة بوحيرد" والذي حققت من خلاله شعبية كبيرة على مستوى العالم، إذ جسدت خلاله شخصية المناضلة "جميلة بوحيرد"، كما قدمت شخصية ليلى في فيلم "قيس وليلى".
ولم توقفها الخسارة بل واصلت مشوارها إيمانا منها بأهمية ودور الفن، كفنانة ومنتجة، ولم تتردد في خوض تجربة الإخراج أيضًا حيث كانت لها تجربة وحيدة في فيلم سينمائي بعنوان "من أحب".
ماجدة الصباحي لم تكتفِ أيضا بالإنتاج بل أسست دار عرض سينمائي حيث كانت تدرك جيدًا ضرورة اكتمال دائرة الصناعة السينمائية من إنتاج متميز ودعاية جيدة، وتوزيع يساعد في نجاح المنتج السينمائي.
امتلكت ماجدة ناصية الوعي والإدراك لأهمية أن تكون إمرأة جميلة ومثقفة، وتلعب دورا مهمًا في تنمية مجتمعها، وآمنت بالعروبة والقومية لذلك كانت دائما في مقدمة الصفوف ولم تتردد يومًا في خدمة أي قضية وطنية.
وفي آخر لقاء جمعني بها في منزلها بالدقي منذ 3 سنوات كانت لا تزال ذاكرتها حاضرة وفي حضور ابنتها غادة نافع، ورغم تقدم العمر وعلامات الزمن إلا أنها لم تخرج علينا إلا وهي في كامل شياكتها وأناقتها، جلست إلينا لتتحدث عن بعض ما قدمته للسينما، وأحلامها التي لم تتوقف يوما ما وخوفها على الفن المصري، والمفارقة أن نبرة صوتها والبحة المميزة لها كانت حاضرةً بقوة وهو ما جعلني أستدعي صورتها بالأبيض والأسود.
هي امرأة قرية قدمت الكثير لصناعة السينما والفن المصري، وقهرت كل ظروفها الشخصية، ولك تجعل حباتها الخاصة تقف عائقًا في يوما ما بينها وبين عملها كما قالت، لكن خلف تلك القوة كان هناك ماجدة أخرى لذلك لم أتردد في سؤالها عن سر رشدي أباظة في حياتها، والذي كنت أعرف أنها حب عمره، وظل يرتدي في إصبعه دبله تحمل اسمها وهو أيضا كان حبها ولحنها رفضت الزواج منه، في تلك اللحظة تحولت ملامح تلك المرأة الناصحة القوية إلى فتاة صغيرة، لمعت عيناها، ولم أنس إجابتها المقتضبة بصوتها المبحوح "مين ينسي رشدي.. كان راجل جنتلمان وبيعرف يعامل الستات الله يرحمه".
وليس هناك أجمل مما قاله الفيلسوف والمفكر سارتر في وصفها بعد أن شاهد فيلمها "جميلة بوحيرد": "هذه الممثلة أبكتني وأنستني جنسيتي".