الولايات المتحدة تسحب نصف بعثتها الدبلوماسية فى العراق، وترفع مستوى التنسيق المشترك مع الجيش الإسرائيلى، تحسباً لرد الفعل الإيرانى على اغتيال العالم النووى الإيرانى محسن فخرى زادة.
مؤكد أن كلاً من «ترامب» و«نتنياهو» يتحسبان لردة الفعل الإيرانية بعد اغتيال «زادة»، ولا يجدان غضاضة فى أن تتحمل حكومتاهما المزيد من التكاليف مقابل ما يعتبرانه صيداً ثميناً تمكنا من قنصه، فكل هذا أهون وأفضل بالنسبة للاثنين من تحمُّل تبعة أضرار أكبر يمكن أن تحيق بهما فى حالة الرد الإيرانى الذى لا يعلمان حجمه أو مداه لو وقع.
نحن أمام رجلين مأزومين أو موروطين يفكر كل منهما فى نفسه ومصالحه المرتبطة بالكرسى الذى يجلس عليه، أو بما يمكن أن يلحق به من أضرار بعد الخروج من المنصب أكثر من أى شىء آخر.
«ترامب» يعيش حالة واضحة من التخبط بعد فوز «بايدن» فى انتخابات الرئاسة. واجه الأمر بالإنكار، ولجأ إلى المحاكم التى لم تعطه شيئاً، ورغم ذلك ما زال يواصل تغريداته المضطربة حتى اللحظة.
منذ فترة مبكرة من إعلان هزيمته فى الانتخابات بادر «ترامب» إلى الحديث عن إيران، وبدأت التسريبات تخرج حول نيته فى «ضرب كرسى» فى «الكلوب الإيرانى» قبل وصول «بايدن» إلى البيت الأبيض.
واللافت أنه بعد واقعة اغتيال «زادة» بدأت تسريبات من نوع جديد تخرج من مقربين لترامب تقول بأنه ينتوى الإعلان عن ترشحه لانتخابات 2024 يوم تنصيب «بايدن»، ما يعنى أن «ترامب» نفض يده، وأن أى تحرشات أخرى بإيران -من جانبه- لم تعد واردة.
نتنياهو هو الآخر يعيش لحظة ارتباك كبرى، فهو مطارد بقضايا فساد، ويواجَه بأزمة اقتصادية كبيرة أدت إلى خروج الإسرائيليين إلى الشوارع والهتاف بسقوط حكومته، أضف إلى ذلك فشله فى إدارة أزمة كورونا.
مؤخراً واجه «نتنياهو» أزمة كبرى بانسحاب تحالف «أزرق أبيض» بزعامة بينى غانتس من حكومته، ويجعل هذا الانسحاب من قدرة «نتنياهو» على تشكيل حكومة جديدة مسألة شديدة التعقيد.
اللافت أن انسحاب «غانتس» أتى عشية اغتيال «محسن زادة».
خطوة اغتيال محسن زادة عكست -فى تقديرى- حالة التخبط والارتباك التى يعيشها الأخوان «ترامب/ نتنياهو»، أما لعبة التأمين والتحسب لرد الفعل الإيرانى فأساسها الخوف من ضياع المستقبل السياسى بشكل كامل.
تحرُّك إسرائيل السريع لتأمين سفاراتها فى أنحاء العالم ضد أى رد فعل إيرانى على عملية الاغتيال عكس خوف نتنياهو من أن تؤدى الخطوة إلى وضعه فى موقف أشد تعقيداً يطيح بمستقبله السياسى تماماً.
أما «ترامب» فقد بات فى موقف لا يُحسد عليه وهو يسمع «بايدن» يصرح فى حوار صحفى مع «توماس فريدمان» بأنه يشعر بالرضا لأنه نجح فى تخليص الولايات المتحدة من «ترامب» الذى ألحق بها أضراراً كبيرة.
واللافت أيضاً أن تصريح «بايدن» جاء عشية اغتيال «محسن زادة»
ما زلت أظن أن إيران ستمتص هذه الضربة، ولن ترد عليها فى وقت قريب، فالأفضل لها أن تنتظر لبعض الوقت حتى يدخل «بايدن» البيت الأبيض ثم تنظر كيف تتصرف.
إيران ستكون حمقاء إذا ردت الآن، لأنها ستكون بذلك متحامقة على حمقى. وزمان كان الدكتور طه حسين يقول إن «أحمق الحمق» هو «التحامق على حمقى»!.