بعض الظواهر ربما تحتاج أن نلقى الضوء عليها بشكل أوضح.. ربما لأنها لا تخلو من الغرابة.. ولكن الأهم أنها تحمل فى طياتها الكثير من التساؤلات التى تحتاج إلى إجابات شافية!
منشورات متناثرة بدأت فى الظهور من فترة ليست بالقصيرة على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة تدعو للتبرع لحفر آبار مياه فى دول أفريقية وآسيوية مختلفة.. المنشورات كلها تشترك فى أن التبرع يتم بشكل فردى غير منظم.. دائماً ما يوجد بها وسيلة للتواصل مع شخص بعينه لدفع قيمة التبرع.. أو رقم تليفون للتحويل على محفظته الإلكترونية.. لا حساب بنكى ولا اسم لمؤسسة مجتمع مدنى واضحة!
الأمر أثار اهتمامى منذ فترة.. لأجد أن هناك من يستجيب وبشدة لهذا النوع من المنشورات.. بل واكتشفت أن الأمر منتشر لدرجة أن هناك «جروبات» عديدة تضم آلاف الأعضاء تم إنشاؤها خصيصاً لهذا الغرض.. والتى تحمل العديد من الصور التى تظهر بعض البسطاء من أصحاب البشرة السمراء وهم يقفون أمام بئر مياه وبجوارهم تجد لوحة تحمل ما يفيد أن البئر تم حفرها كصدقة جارية باسم أحدهم..!!
الأمر لا يخلو من العديد من التساؤلات المشروعة.. فبمعزل عن فكرة أن تشارك فى حفر بئر فى مكان يبعد عنك آلاف الأميال وحولك من يحتاج لتلك التبرعات بشكل أكبر بكل تأكيد.. فالأمر كله لا يحمل دليلاً واحداً على أن البئر قد تم حفرها بالفعل..!!
لا توجد ضمانة واحدة أن الصورة التى تراها تم تصويرها فى المكان والزمان المذكورين بها.. ليس هناك دليل على أن الأموال التى يتم دفعها تصل إلى مقصدها كاملة.. هذا إن كانت تصل من الأساس!!
أكثر من أربعة مليارات جنيه ونصف المليار هو حجم تبرعات المصريين لكل الجمعيات الأهلية سنوياً، حسب دراسة أجراها مركز معلومات مجلس الوزراء حول العمل الخيرى للأسر المصرية، المبلغ السابق يتدفق من 15.8 مليون أسرة مصرية.. الذين يشكلون حوالى 86% من إجمالى عدد الأسر على مستوى مصر.
الأرقام السابقة تثبت حجم الخير الذى لم ولن ينتهى فى قلوب المصريين أبداً.. وتؤكد أن التكافل صفة متأصلة بداخلهم ولو أنكر البعض أنها موجودة..!
الفكرة أن الرقم -الذى يبدو مهولاً بالفعل- يخدم أكثر من عشرة ملايين مواطن سنوياً.. هؤلاء الذين لا تتمكن الحكومة من الوصول إليهم لأسباب يطول شرحها.. وهو بهذا المنظور ربما لا يكفى لكل أوجه الصرف.. بل قد يحتاج إلى ضعفه أو أكثر..!
لماذا يفكر البعض فى إرسال تلك التبرعات إلى خارج البلاد؟.. لماذا يقرر البعض أن يذهب بتبرعاته كل تلك المسافات ولا يبحث عمن يحتاج إليها حوله؟!
يتحدث البعض أن الأمر إحياء للسنة النبوية الشريفة.. ولكننى أعتقد أنه يمكنك حفر نفس البئر فى أرضك أولاً قبل أن تذهب بعيداً.. وأعتقد أن الأمر برمته يحتاج للبحث من الجهات المعنية.. على الأقل ليضمن المتبرعون أنهم يشاركون فى إحياء السنة بالفعل وليس أمراً آخر يخفى عليهم وعلينا..!
لا أملك اتهاماً صريحاً يمكن التصريح به.. ولكننى أمتلك أطناناً من الشكوك التى لا يمكن تجاهلها.. ومثلها وأكثر من الدهشة الممزوجة بالاستنكار أن تذهب أموال الزكاة والصدقات بعيداً بهذا الشكل..!
هناك من يحتاج للمياه فى أعماق أفريقيا والهند وغيرها من بلاد الله.. هذه حقيقة.. ولكن الأكيد أن هناك من يحتاج إليها داخل حدود هذا الوطن بشكل أكبر.. وهو ما ينبغى أن يمتلك الأولوية فى هذا الشأن.. أو هكذا أفهم!!
وهكذا أعتقد..!