منذ بداية العدوان الإسرائيلى على غزة، وشقيقتى التى تنتمى لجيل العشرينات (جيل Z) تُلح علىَّ بتساؤلات عديدة حول القضية الفلسطينية، ولم أستغرب من تساؤلاتها كثيراً، فهى مثل معظم أبناء جيلها، لا يعرفون عن القضية إلا العنوان العريض، ولكننى وجدت نفسى فى حيرة بين أسئلتها وبين محاولاتى للشرح المبسط لما حدث ويحدث.
لم أجد منقذاً من أزمتى مع شقيقتى أفضل من حلقة «الدحيح» لصانع المحتوى الأشهر أحمد الغندور التى قدمها عن فلسطين. الحلقة مدتها ساعة بُذل فيها مجهود بحثى محترم يحكى جذور القضية بشكل مبسط وشيّق منذ بدايتها. يمر على المجازر ويهدم الأساطير المؤسسة للكيان الصهيونى. يعرض الشهادات ويذكر المصادر التى اعتمد عليها. أرسلتُ الحلقة لشقيقتى التى شاهدتها واقتربت بشكل أفضل من جذور القضية، وأصبحت تناقشنى بشكل أفضل فى التفاصيل.
بالرغم من أن الحلقة تجاوزت مشاهداتها عشرة ملايين مشاهدة فى خمسة أيام حتى كتابة هذه السطور، وبالرغم من الإشادات الواسعة بها، فإن مجموعة من المعلقين فى الشأن السياسى انتقدوا، على منصات التواصل الاجتماعى، هذه الحلقة، معتبرين أنها اختصارٌ مُخل للقضية، بل ذهب أحدهم إلى حد وصف الحلقة بأنها نسخة رديئة من سلسلة الكتب الأمريكية الأكثر مبيعاً المعروفة باسم «for dummies» والتى تهتم بتبسيط الموضوعات فى مجالات مختلفة، ووصف الحلقة بأنها لا يمكن أن تساعد فى تكوين معرفة حقيقية وجادة.
وهنا وجدت نفسى أمام تساؤلات جديدة: هل يتعارض تبسيط العلوم والتاريخ مع صناعة المعرفة وتراكم الوعى؟ هل كانت الحلقة تستهدف المثقفين المطلعين العارفين بكل تفاصيل القضية، أم أنها تستهدف هذا الجيل الذى لم يكن يدرك أى شىء عنها قبل السابع من أكتوبر؟
وهل الفيصل فى الحكم على جودة الحلقة هو تبسيط المعلومة أم صحة ودقة المعلومات الواردة فيها؟
والسؤال الأهم: ما الذى قدمه المثقفون والخبراء والمطلعون لهذا الجيل الذى يبحث عن المعلومة بأدوات ومن مصادر مختلفة خاصة بهم، نجهل نحن استخدامها!
فى الولايات المتحدة الأمريكية تشير استطلاعات الرأى إلى أن الأجيال الأصغر سناً، وتحديداً «جيل Z»، (تحت ٢٦ سنة) هم الأكثر دعماً للقضية الفلسطينية، بل إن نسبة كبيرة منهم ترى أن ما قامت به «حماس» فى السابع من أكتوبر يمكن تبريره. المخاوف من هذه الاستطلاعات وصلت بالمحللين لمناقشة تأثير هذا الأمر على الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، إلا أن ذروة هذه المخاوف تجلت الأسبوع الماضى بعدما انتشرت وثيقة قديمة كتبها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن انتشاراً واسع النطاق على منصة تيك توك، المنصة الأكثر استخداماً من قبَل جيل Z.
الوثيقة الدعائية التى حملت اسم «رسالة إلى أمريكا» والتى نُشرت فى ٢٠٠٢ فى صحيفة الجارديان البريطانية ذكرت أسباب هجمات سبتمبر، وكان من أهم هذه المبررات هو الدعم الأمريكى المستمر لإسرائيل ضد الفلسطينيين.
ظهر العشرات من الشباب الأمريكى على «تيك توك» وهم يتحدثون عن وثيقة بن لادن، وكيف أنها فتحت أعينهم على القضية!
انتشرت الوثيقة للدرجة التى دفعت صحيفة الجارديان البريطانية لحذفها، ودفعت منصة تيك توك لمنع أى محتوى عن بن لادن ووثيقته! ولا أعرف إذا كان الخطر قد زال بحذف الوثيقة ومحتوى تيك توك.
أعود للدحيح وفريقه الذين حاولوا تبسيط المعلومة لجيل قد لا يكون فى معظمه مهتماً، حاول إثارة فضولهم لعلهم -ولو نسبة قليلة منهم- يبحثون ويسعون لمعرفة أعمق، فلماذا لا يساعد المثقفون والمحللون فى البناء على هذا الوعى، لماذا لا يطورون أدواتهم وأساليبهم للوصول لعقل هذا الجيل الذى تقدَّم علينا تقدماً مرعباً فى أدواته البحثية ولكنه لا يستطيع صبراً مع كلام النخبة «المكلكع»، وحتى لا نجدهم فى يومٍ ما يعتمدون على «بن لادن» وإخوته كمصدر للمعرفة، وكى لا يتكرر مع أبنائنا ما يحدث فى أمريكا.