حينما تم الإعلان عن الصفقة التاريخية الكبرى «رأس الحكمة» كان طبيعياً أن يتلقى المصريون الخبرَ بالسرور والتفاؤل وعودة الثقة فى مؤسساتهم، والمصرى عنده استعداد تام للرضا، حتى لو لم يكن من الصفقة إلا تثبيت الأسعار الحالية عموماً، وانخفاض الضرورى منها، وتوفير جميع السلع، ومحاربة المتلاعبين بالسوق. لقد بدأ المصريون حديثاً الكشف عن مدن جديدة، فاكتشفوا شرم الشيخ، ودهب، ونويبع، وطابا، وخليج نعمة، والغردقة، وعمرت هذه الأماكن بالسياحة، وبنيت فيها الفنادق، وصارت شرم الشيخ وجهة سياحية كبيرة، ثم جاء تعمير العلمين، بعد أن كانت أكبر حقل ألغام فى العالم، لكن كل ذلك لم يكن بمستوى الاستثمار الذى أعلنت عنه الحكومة المصرية فى «رأس الحكمة» يوم الجمعة الماضى. تقع «رأس الحكمة» على الساحل الشمالى من البحر المتوسط، قبل «مرسى مطروح»، وبها استراحة أنشأها الملك فاروق، وتتمتع بوجود عدد كبير من المحميات الطبيعية والمناطق الأثرية والخلجان والرؤوس البحرية والكثبان الرملية، علاوة على توافر بيئة طبيعية مناسبة لجميع أنواع الأنشطة السياحية: البحرية والشاطئية والصحراوية، وسياحة السفارى، ووجود نواة أولية للتنمية السياحية الفندقية المميزة، ومراكز للمنتجعات والمؤتمرات متكاملة الخدمات والمرافق. إن النشاط والحيوية ومشاعر التفاؤل التى ظهرت على رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، أثناء توقيع الصفقة، لم تكن مشاعر خاصة به، لكنها مشاعر سرت لدى كل مصرى بعد عقد الصفقة، والمصريون فى انتظار ما تسفر عنه، مما له التأثير المباشر على حياتهم فيما يخص الأسعار، بعد معاناة شديدة عاشها المصريون نتيجة قفزات هائلة فى ارتفاع الأسعار، وانتشار السوق السوداء فى بيع الدولار، وضعف ضبط الأسواق، فجاءت الصفقة تصحيحاً للمسار، وأحدثت حالة من التفاؤل لتحقيق آمال الناس المتطلعة لرفع العبء عن كاهلها. والصدى الواسع للصفقة التاريخية بين مصر والإمارات يدفع الحكومة إلى اتخاذ مزيد من الخطوات الاستثمارية المماثلة خلال الفترة المقبلة، فالحكومة قد تطرح لاحقاً منطقة «رأس جميلة»، للاستثمار على غرار «رأس الحكمة»، حيث كشفت صحيفة «عكاظ» السعودية أن الحكومة المصرية تستعد لطرح تطوير منطقة «رأس جميلة» بمدينة شرم الشيخ باستثمارات سعودية كبيرة، وهو ما سيخلق أنشطة اقتصادية، وفرص عمل كبيرة للمصريين خلال السنوات القادمة. ويتبقى السؤال: هل يمكن تكوين مكتب استشارى معاون لصانع القرار، بحيث إنه لا يتخذ أى خطوة إلا بعد دراسات الجدوى، واتخاذ القرارات الصحيحة، وتكون له صلاحيات حقيقية، كما اقترح أحد الكُتَّاب؟ وهل سيتم تطبيق تسعيرة إجبارية على السلع، وهو ما وعدت به وزارة التموين عدة مرات، ولم يتحقق الوعد؟ وهل يتم ضبط الأسواق ومحاسبة المتلاعبين، حتى لا تضيع حالة الثقة والتفاؤل التى عادت للمواطن بعد أخبار الصفقة التاريخية؟ نرجو كل ذلك. لقد وافق مجلس النواب، بعد ثلاثة أيام من الصفقة الكبرى، على تعديل قانون حماية المستهلك، برفع قيمة الغرامة إلى 150 ألف جنيه كحد أدنى، و3 ملايين جنيه كحد أقصى، علاوةً على الحكم بإغلاق المحل مدة لا تجاوز ستة أشهر، مع جواز الحكم بإلغاء الرخصة لمن يقوم بإخفاء السلع الاستراتيجية وحجبها عن البيع، وفى حالة العودة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، ولا تجاوز خمس سنوات، مع مضاعفة قيمة الغرامة، وفى جميع الأحوال تُصادر البضاعة موضوع الجريمة. والقانون خطوة مهمة، ويصب فى صالح المواطن المصرى لو تم تنفيذه على أرض الواقع.. حتى تكون «رأس الحكمة» رأس الخير لمصر.