قتلت الرضيعة لأنى "مابحبش خلفة البنات"
شقت صرخاتها سكون الليل عندما فاجأتها آلام الولادة داخل منزلها بقرية العتامنة بمركز طما شمال محافظة سوهاج، حضرت إليها والدتها سريعاً واصطحبتها إلى عيادة خاصة بالمدينة كى تضع مولودتها الأنثى.
فى الطريق إلى الطبيبة لم يشغل بال الزوجة سوى زوجها صبحى صقر، 42 عاماً، مدرس لغة عربية وتربية دينية، كان الزوج قد طالبها مراراً وتكراراً بالتخلص من حملها عندما علم بأن الجنين أنثى، وقال إنه يريد تحديد النسل، خاصة أن لديه ولدين وبنتاً (مؤمن 10 سنوات وإسراء 8 سنوات، ومحمد، 5 سنوات) وإنه لن يتمكن من تدبير نفقات الأسرة فى حال وجود أبناء أكثر من ثلاثة، لكنها لم تكن تقتنع بكلامه، وتعلم جيداً أنه لا يحب «خلفة البنات»، وظلت طيلة الطريق تقنع نفسها بأن زوجها متعلم وسيتقبل الأمر سريعاً، ولن يقوم بتطليقها لأنها أنجبت أنثى.
خيال الزوج الإجرامى كان أبعد من ذلك كثيراً، أشعل سيجارة وراح يخطط لفعلته الشنعاء التى تعيد للأذهان سيرة الجاهلية فى «وأد البنات» وبسرعة وصل فجراً بكل سهولة لغرفة زوجته التى غلبها النوم بعد ليلة شاقة قضتها كى تخرج طفلتها إلى النور، واستولى على الطفلة وخرج سريعاً من العيادة التى تقع فى الطابق الثانى بإحدى العمارات السكنية، وكانت شمس الصباح قد بدأت ترسل أشعتها مرة أخرى على الأرض لتدب الحياة من جديدة بالمنطقة، واستقل «توك توك» وطلب من السائق التوجه به إلى قرية كوم العرب التى تبعد حوالى 5 كيلومترات عن مقر العيادة، فكر فى الطريق فى كتم أنفاس طفلته إلا أنه خشى من بكائها فينكشف أمره أمام سائق التوك توك، وقرر أن يتخلص منها عن طريق إلقائها فى الترع الموازية للطريق، وبعيداً عن المنطقة السكنية طلب من سائق التوك توك التوقف لأنه يريد أن يتخلص من بعض النفايات ووقف على حافة الترعة، وكانت الصغيرة قد بدأت فى الاستيقاظ من النوم وبدأ جسدها يتحرك لكن كان بجوارها قلب قد تحجر، هو قلب والدها الذى لم يكلف نفسه النظر إلى وجهها وقذف بها سريعاً إلى الماء دون ذنب، أو جريمة لكن سائق التوك توك ساورته الشكوك فى كيس النفايات ورجح أن يكون لطفل مولود حديثاً.
غادر الأب مسرح الجريمة متوجهاً إلى منزله ظناً منه أن جريمته لن يتم الكشف عنها، لكن بعد ساعات كانت الشرطة تلقى القبض عليه بتهمة قتل الرضيعة، وذلك بعد أن توجه سائق التوك توك إلى مركز الشرطة ليبلغ عن الواقعة التى شاهدها أيضاً أحد المزارعين فى الحقول.[FirstQuote]
البداية بلاغ تلقاه اللواء إبراهيم صابر، مدير أمن سوهاج، من مركز شرطة طما يفيد بورود بلاغ باختفاء طفلة عقب ولادتها من إحدى العيادات الخاصة بدائرة مركز طما، ولم يتم توجيه اتهام لأحد بالتسبب فى ذلك، وانتقلت قوات الشرطة إلى مكان الواقعة بقيادة العميد أسعد الذكير، مدير مباحث سوهاج، والعميد محمد توفيق، رئيس المباحث الجنائية، وتم سؤال للزوجة ووالدتها اللتين أكدتا أنهما لم تشاهدا أحداً يرتكب الواقعة، وكان قلب الأم المكلومة يحدثها بأن الذى ارتكب الفعلة هو زوجها، لكنها لا تستطيع أن تخبر رجال المباحث بشكوكها، وتوصلت التحريات التى قادها العميد الدكتور عمر خطاب، رئيس فرع بحث الشمال، إلى أن وراء الواقعة والد الضحية، وذلك بعد استجواب سائق التوك توك، حيث أدلى بأوصاف تنطبق على والد المجنى عليها، وأشارت التحريات إلى أن المتهم أخذ المولودة من داخل العيادة دون أن يشعر به أحد واستقل «توك توك» وتوجه به إلى قرية كوم العرب بدائرة المركز، وفى أحد الأماكن البعيدة عن الكتلة السكنية تخلص منها بإلقائها فى الترعة المجاورة للطريق، وأكد صحة تلك المعلومات شهادة أحد المزارعين بمسرح الجريمة، حيث شاهد المتهم يلقى بلفافة بيضاء فى الترعة، وتوجهت حملة أمنية للقبض على المتهم الذى تبين عدم وجوده وهروبه لمعرفته أن أمره قد انكشف.
وفى أحد الأكمنة الأمنية تمكن الرائد أحمد خلف، رئيس مباحث مركز طما من ضبط المتهم، حيث كان يستعد للهرب خارج المحافظة واعترف بارتكابه للواقعة، وبرر فعلته بأنه اتفق مع زوجته على تحديد النسل لكن زوجته خالفت كلامه وطلب منها عدة مرات التخلص من الحمل إلا أنها رفضت، وأوضح أن لديه 3 أبناء، مؤمن، 10 سنوات، ومحمد، 5 سنوات، وإسراء، 8 سنوات، وأضاف أنه نفذ مخططه لعدم سماع زوجته أمره بعدم الإنجاب مرة أخرى، ولم يبد ندمه أو حزنه على فعلته النكراء، فيما رجحت تحريات ضباط مباحث مركز طما أن المتهم لا يرغب فى أن تنجب زوجته بنتاً مرة أخرى، وأنه لا يحب «خلفة البنات» على الرغم من كونه مدرساً لمادة التربية الدينية، واعترف المتهم بارتكاب الجريمة وسرد تفاصيل الواقعة من بداية ذهابه لمقر العيادة وتسلله لداخلها واستيلائه على الصغيرة ونهاية بإلقائها فى مياه الترعة، والغريب أن المتهم لم تظهر على وجهه أى علامات للحزن، ولم يبد ندماً على ما اقترفت يداه فى حق طفلة بريئة، وتحرر محضر بالواقعة وباشرت النيابة العامة بمركز طما التحقيقات، بإشراف المستشار أسامة عبدالسلام، رئيس نيابة شمال سوهاج الكلية، وأمرت النيابة العامة بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات، وطلبت تحريات المباحث حول ظروف وملابسات الواقعة، وكلفت رجال الإنقاذ النهرى بسرعة انتشال جثة الضحية من داخل مياه الترعة الإبراهيمية، ويواصل رجال الشرطة جهودهم المكثفة فى البحث عن جثة الضحية وسط الحشائش على ضفة الترعة، بينما يواصل رجال الضفادع البشرية البحث داخل المياه العميقة حتى حدود محافظة أسيوط.[SecondQuote]
وتحلق أهالى القرية حول المتهم وهو يقوم بتمثيل جريمته النكراء ببرود أعصاب شديد، حيث يقف أمام الجميع لا يبالى بفعلته المشينة وهى جريمة انتهت منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام أى منذ قدوم الإسلام الذى قضى على هذا العفن الفكرى الذى كان منتشراً فى الجاهلية.
الغريب فى الأمر أن منفذ تلك الجريمة البشعة من المفترض أن يكون من أصحاب الفكر والعقل الرزين نظراً لطبيعة عمله فهو مدرس يشارك فى صناعة أجيال صغيرة، فلم يتخيل أحد فى قريته أن يقدم هذا المدرس على تنفيذ هذه الجريمة البشعة عندما يحمل ابنته بين يديه ويدفنها حية.