السياسات الداخلية: معارك مفتوحة لم تشفع له فيها مؤشرات التحسن الاقتصادى
«ترامب» مارس سياسات خاطئة فى عامه الأول
فى 21 يناير من عام 2017 تسلم السياسى الجمهورى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة بعد تحقيقه فوزاً مفاجئاً صفع به منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون، التى كانت كل التحليلات والاستطلاعات تعتبرها الأوفر حظاً، بل ذهبت إلى حد التعامل معها باعتبارها الرئيس المقبل، إلا أن العام الأول لـ«ترامب» شهد جملة من أسوأ الاضطرابات السياسية فى الولايات المتحدة مؤخراً على الصعيد الداخلى، بحسب ما أجمع خبراء وكتاب مهتمون بالشأن الأمريكى. وتمحورت أزمات «ترامب» فى ادعاءات تواطؤ حملته الانتخابية مع روسيا على نحو أثر على العملية الانتخابية وهو ما يجرى فيه التحقيق، وثانياً: المواجهة المفتوحة مع وسائل الإعلام التى يعتبر «ترامب» أن أغلبها يبث أخباراً غير حقيقية ضده، وثالثة الأزمات: كانت فى الإجراءات الخاصة بالهجرة واللجوء إلى الولايات المتحدة والتى أنعشت من جديد بعض الحركات العنصرية، إلى جانب ختامه عامه الأول بإغلاق الحكومة الفيدرالية نتيجة تأخر توقيع الميزانية الجديدة، بسبب الخلافات بينه وبين «مجلس الشيوخ» بـ«الكونجرس».
فى أحدث استطلاع للرأى حول شعبية «ترامب» بعد عامه الأول، ظهرت شعبية الرئيس الحالى فى أدنى مستوياتها من حيث المقارنة مع أى رئيس حكم الولايات المتحدة. الاستطلاع الذى نشرته صحيفة «واشنطن بوست - إيه بى سى نيوز»، الأحد الماضى، عبر خلاله نحو 58% عن رفضهم سياسات «ترامب» كرئيس للولايات المتحدة، فى حين أيد 38% فقط سياساته. استطلاع الرأى أشارت أرقامه فيما يبدو إلى أن الرئيس الأمريكى استطاع بالرغم من انخفاض شعبيته تحقيق نجاحات على المستوى الاقتصادى، إذ إن نحو 58% لديهم آفاق إيجابية على اقتصاد الولايات المتحدة، نسبة حسب «واشنطن بوست» هى الأعلى فى 17 عاماً، واختار نحو 44% كلمة «جيدة» لوصف وجهات نظرهم حول الاقتصاد الأمريكى.
يقول المحلل السياسى الأمريكى برادلى بلاكمان، وفق ما نقلت قناة «سكاى نيوز» فى تقرير يوم 20 يناير: «أعتقد أن عام ترامب الأول كان جيداً نسبة لشخص لم يكن قد شغل هذا المنصب وكان عليه تشكيل حكومة لكنه فعل الكثير». وأضاف «بلاكمان»: «سجل سوق الأسهم خلال رئاسته أرقاماً قياسية، تم تمرير قانون لخفض الضرائب، أصلح قواعد وأنظمة الضرائب وأعاد رسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة بما يجعل أمريكا أولاً، وهو ليس من باب العزلة، وإنما من باب الواقعية»، وفقاً له.
تقارير أمريكية: أسوأ اضطرابات سياسية فى التاريخ الحديث.. واستطلاعات رأى: انخفاض تاريخى لشعبية الرئيس
لكن حتى النجاح الاقتصادى الذى يحققه «ترامب»، هناك من يشكك فيه ويعزو المؤشرات التصاعدية له الآن إلى الفترة السابقة لولاية الرئيس الحالى، شبكة «بلومبرج» الأمريكية قالت فى تقرير لها بتاريخ 22 يناير الحالى، إن «العام الأول لترامب شهد أسوأ الاضطرابات السياسية فى التاريخ الأمريكى الحديث، لكن المفاجأة كانت فى الجانب الاقتصادى وكيفية حصول تغيير أو تحسن حتى لو طفيف فى هذا العام». وأضاف التقرير أنه «بمقارنة مؤشرات العام الأول لترامب على الصعيد الاقتصادى بمتوسط ولايتى الرئيس السابق باراك أوباما، فإنه حدث تحسن طفيف بنسبة 2.3%، فى حين كان فى فترتى أوباما بنسبة 2.2% نمواً اقتصادياً وهى نسبة أعلى بكثير من تلك التى تلت الأزمة المالية فى نهاية عهد الرئيس الأسبق جورج بوش وكانت بنسبة نمو اقتصادى لا تتجاوز 0.9%». وتابع التقرير متحدثاً عن معدلات البطالة: «على مدى العام الماضى انخفض معدل البطالة ليصل إلى 4.1% بعد أن كانت 4.7% فى آخر ولاية أوباما الذى تسلم البلاد وكانت نسبة البطالة فى ذروتها عام 2009 بنحو 10%»، وبحسب الشبكة الأمريكية فإن معدل انخفاض البطالة كان بشكل أوضح فى ولاية «أوباما» مقارنة بالعام الأول لـ«ترامب».
لكن فى المقابل، قال الكاتب البريطانى جدعون راخمن، إن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب دائماً ما ينجح فى إفساد الأمر على خصومه فى مساعيهم الرامية دائماً للتقليل من شأنه. ورأى «راخمن»، فى مقاله بصحيفة «فايننشيال تايمز» أنه على الرغم من أن خصوم «ترامب» ينكرون عليه أى نوع من أنوع العبقرية أو النجاح، إلا أن الرئيس «ترامب» لديه الحق فى ادعاء 3 أنواع من العبقرية بينها العبقرية الغريزية. وقال «راخمن» إن «ترامب» حقق إنجازات غير مسبوقة فى تاريخ أمريكا المعاصر كونه من خارج الساحة السياسية تماماً، ومع ذلك استطاع الفوز بالانتخابات فى أولى محاولاته، وإذا ما احتج أعداء «ترامب» بما شهدته الحكومة الأمريكية من إغلاق وما يشير إليه ذلك من عدم كفاءة الرئيس للحكم، فإن مؤيدى «ترامب» سيردون على ذلك بالإشارة إلى تنامى الاقتصاد وتمرير أكبر عملية إصلاح ضريبى على مدار أكثر من 30 عاماً. وأضاف الكاتب البريطانى: «ترامب طالما هاجم الصحافة والتحفظ فى التعبير، وفى كل مرة كان أساطين الصحافة والسياسة يتنبأون بنهايته سياسياً، لا سيما فيما يتعلق بالعنصرية والإساءة للمرأة، إلا أن ما يحدث دائماً أن تنبؤات الخصوم دائماً ما تخيب ويخرج ترامب دائماً أكثر قوة».
من جهته، قال مدير المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية محمد صادق إسماعيل، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «ترامب مارس سياسات خاطئة طوال العام الماضى، وإن كان على الصعيد الخارجى كانت الأخطاء أكثر، الضغط على بعض الدول زاد من موارده لكنه فى الوقت ذاته واجه إشكاليات كبيرة فى الداخل رغم توفيره الموارد». وأضاف «إسماعيل»: «الإشكاليات التى واجهها فى الداخل أكبرها عدم قدرته على مواجهة المشكلات الداخلية، انظر إلى المجتمع الأمريكى تجده مجتمعاً ربما يموج بالمشكلات على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية وحتى على المستوى الاجتماعى، ترامب كان تفكيره الأساسى منصباً على القضايا الخارجية وإعادة أمريكا إلى صورة ذهنية بأنها الدولة الأقوى». وتابع: «ترامب عليه أن يعيد حساباته مرة أخرى والابتعاد عن القرارات الانفعالية والسريعة، واتخاذه القرارات من تلقاء نفسه رغم أن لديه العديد من مؤسسات صنع القرار، وربما الأغلبية التى يمتلكها فى الكونجرس ساعدته على اتخاذ هذه الإجراءات والقرارات الفردية». وقال «إسماعيل»: «لو استمر ترامب على هذا النهج الفردى ستتواصل أزماته داخل البيت الأبيض وداخل بلاده، يجب أن يعلم أنه لا يدير شركة وإنما يدير أكبر دولة فى العالم، وأرى أن لديه عقيدة لن يتخلى عنها».