القيادات العليا للدولة تعلم جيداً أن الاستثمار قضية حياة أو موت وتبذل أقصى جهدها لتهيئة مناخ الاستثمار وجذب مستثمرين جدد أجانب ومحليين، وخلال السنوات الأربع الماضية اتخذت إجراءات مهمة لتحقيق هذا الهدف، فبدأت بتشكيل المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية شخصياً، حتى يعطيه أهمية كبيرة أيضاً أنفقت الدولة مئات المليارات لإصلاح البنية الأساسية، واتخذت الدولة أيضاً خطوات جريئة فى إصلاح المنظومة التشريعية من خلال إصدار حزمة قوانين كانت مهمة وضرورية مثل قانون الاستثمار والشركات والتأجير التمويلى والإفلاس وسوق المال والتراخيص الصناعية، كما أصبح لدينا أول خريطة استثمارية موحّدة تشمل فرص الاستثمار المتاحة فى كل المجالات والمحافظات، وأيضاً مراكز لخدمة المستثمرين تابعة لوزارة الاستثمار، هدفها خدمتهم وتسهيل إجراءاتهم.
وزيرة الاستثمار تبذل جهوداً كبيرة من أجل جذب مستثمرين جدد، وحل مشكلات المستثمرين القدامى، سواء باللقاءات الدورية معهم، أو من خلال لجنة فض المنازعات، التى أصبحت تعقد بشكل منتظم، وقراراتها ملزمة طبقاً لقانون الاستثمار الجديد، هذا القانون الذى يتضمّن حوافز كثيرة لتشجيع الاستثمار وصلت إلى درجة منح الأراضى مجاناً فى بعض المناطق الفقيرة والأكثر احتياجاً.
إذاً، وبعد كل ذلك، أين هى المشكلة؟ ولماذا لم تؤتِ هذه الجهود المتميزة ثمارها؟ ولم تحقّق طموحاتنا الكبيرة فى الاستثمار؟ الإجابة ببساطة هى أن الفكر الموجود لدى قيادات الدولة العليا لم يصل إلى صغار الموظفين والقيادات الوسطى، وما زالت هناك بعض المعوقات التى تقف عائقاً أمام تحقيق الانطلاقة الاقتصادية المنشودة.
معوقات متعلقة بالتفكير العقيم لبعض صغار المسئولين وأخرى بسبب القوانين التى عفا عليها الزمن، ولدى وقائع محددة لمستثمرين حصلوا على أراضٍ لإقامة مشروعات بالمليارات لإنتاج سلعة استراتيجية مصر فى أشد الحاجة إليها، ورغم أن المستثمرين نفّذوا كل التزاماتهم، ولكنهم لم يبدأوا بسبب تنازع الولاية على الأراضى بين الوزارة والمحافظة، وأيضاً المغالاة فى قيمة رسوم المعاينات والموافقات المطلوبة من بعض الجهات الحكومية، رسوم تتجاوز الملايين فى بعض الأحيان.
الدولة مشكورة منحت الأرض للمستثمرين بحق الانتفاع، تيسيراً عليهم، مثل هذه المعوقات تهدر علينا فرصاً كثيرة فى الاستثمار والإنتاج والتوظيف والحد من الاستيراد واستنزاف الاحتياطى النقدى.
من يعوق الاستثمار مثل الإرهاب وخطره على مصر شديد، لأنه يعرقل التنمية ويسهم فى انتشار الفقر والبطالة وعدم الاستقرار.
أتمنى عقد اجتماع قريب للمجلس الأعلى للاستثمار لإزالة هذه المعوقات، وتتخذ إجراءات حاسمة وصارمة، حتى لا تهرب الاستثمارات إلى الخارج، فالمنافسة شرسة، ومعظم الدول حالياً تحمل المستثمرين على الرؤوس والأعناق، وتمنحهم الأراضى مجاناً وتعفيهم من الضرائب، وتقدم لهم كل الدعم والمساندة، طالما أنهم ينتجون ويوظفون.
الاستثمار مسئولية كل أجهزة الدولة.