الفلاح المصرى أصل هذا البلد.
وأيام الدولة العثمانية كان الفلاحون -كما هم الآن- يمثلون الطبقة الأكثر اتساعاً، مقارنة بطبقة التجار والحرفيين، والأشد معاناة بين فئات المصريين.
فالضرائب الجديدة التى فرضها العثمانيون، وعمليات الإذلال الممنهج التى كانت تمارس ضدهم من جانب المماليك، وكان أمراء المماليك حينذاك يقومون بدور «الملتزم» المسئول عن جمع الضرائب والجباية من إقطاعيات الأرض، هذه العوامل تداخلت لترفع من معاناة الفلاح المصرى، وجعلته أكثر استعداداً للتمرد على السلطة التى تزاوج فيها العثمانيون مع المماليك، وأقرب إلى قبول الأفكار والشعارات التى تحرضه على السلطة المتغطرسة.
فى هذه الأجواء والسياقات ظهرت شخصية «أبوشادوف» أشهر معارض معلن للحكم العثمانى.
كتب «أبوشادوف» قصيدة زجلية يصف بها حاله وحال الفلاحين المحيطين به تولّى سردها وشرحها «الشربينى بن محمد يوسف» مؤلف كتاب «هز القحوف بشرح قصيدة أبوشادوف». القصيدة فى مجملها زفرة أسى من إنسان يشعر باضطهاد الواقع له، ويرد هذا الاضطهاد إلى فساد السياسات التى ينتهجها أولو الأمر.
كان الريفى البسيط «أبوشادوف» يحسد أهل القاهرة على حالهم، ويحلم بالذهاب إليها حتى يتخلص من الحياة المهملة التى يعيشها فى الريف. ويقول فى ذلك شعراً: «أنا إن عشت لأروح المدينة وأشبع.. كروش ولو أنى مت كفيف.. وآخد معى غزل العجوز وأبيعه.. وآكل بحقه يا ابن بنت عريف».
شأنه شأن كل الفلاحين كان «أبوشادوف» يحلم بثوب نظيف وعيش كريم وطعام شهىّ، ويقول: «على من نضر طاجن سمك فى فرينه.. ولو كان يا إخوانى بلا تنضيف».
على هذا النهج تسير القصيدة الزجلية لتصف الحالة المزرية التى وصل إليها الفلاح المصرى أيام الحكم العثمانى. وهى حالة لم تكن تنطبق على «أبوشادوف» وحده، بل انسحبت على الفلاحين المصريين جميعهم حينذاك.
وأغلب الظن كما يقول المؤلف الذى شرح القصيدة أن «أبوشادوف» هذا كنية وليس اسماً، وهى كنية تنطبق على كل فلاح مصرى فى ذلك الوقت، كان «الشادوف» يمثل أبرز أدواته فى الزراعة.
وأكثر ما يستلفت النظر فى الكتاب الذى خلّد زجل «أبوشادوف» يرتبط بتعليقات كاتبه «الشربينى بن محمد» على أحوال الفلاحين، وعلى القصيدة المنسوبة إلى «أبوشادوف» ومثلت تعبيراً عنها.
تبنّى الكاتب رؤية استعلائية تجلت فى تأكيده الدائب على ركاكة شعر «أبوشادوف» وتجاوزه للقواعد المتعارف عليها فى وزن الأبحر الشعرية، بالإضافة إلى ظهور بعض الألفاظ النابية والسوقية فى كتاباته.
الوصف الذى قدمه «الشربينى» لـ«أبوشادوف» وشعره صحيح، لكنه يعكس انشغالاً بالشكل أكثر من الاهتمام بالمضمون.
فـ«أبوشادوف» استهدف من خلال قصيدته وصف الحالة المعيشية الضنك التى عاش فيها مع أمثاله من الفلاحين، وقد أراد أن يكون هذا الوصف فى قالب شعرى حتى يمنحه نوعاً من التداول داخل المجتمع، ويمنح رؤيته للواقع نوعاً من الرواج فى الأوساط الريفية، فجاءت قصيدته أشبه بالمنشور السياسى الذى يوجد به أخطاء لغوية، لا ينشغل بها سوى المتربصون بكاتبه، أما مَن يتبنون رؤيته فيشغلهم مضمون ما كتب أكثر مما تهمهم الأخطاء التى وقع فيها.