«أسعد»: أخشى الملاحقة السودانية في القاهرة
صراخ أصغر أطفاله يقلق منامه هو وزوجته، يذهبان إلى غرفته ليجدا «باسل» قد انهمر فى البكاء، قطعة لحم حمراء لم يبلغ من العمر شهره السابع «والبزازة» تُزين فمه، ينظر إليه الأب بعينين لامعتين، تنهمر الدمعات على جبين الرجل الأربعينى، فتحتضنه بدفء زوجته «رباب»، يتوقف الصراخ ويعم السكون أرجاء المنزل، يفزع ربا الأسرة حال سماعهما خطوات تتجه إلى غرفة أصغر أطفالهما، يحاول الرجل التماسك، بينما تنشغل الأم فى حمل ابنها الرضيع، يُفتح الباب فى هدوء ليجدا طفلهما الأوسط «وضاح» على مشارف الغرفة يطلب كوباً من الماء، يذكرون الله فتطمئن أفئدتهم المرتعشة من شدة الخوف، دقات قلوبهم هو ذلك الصوت الوحيد الذى يسمعونه، يخرجون من غرفتهم فتصطدم أرجلهم المرتعدة بـ«سجود» التى أقلقها عدم وجود شقيقها بجوارها لتفترش الأرض بجوار غرفة أخيها الأصغر.. تتخذ الأسرة كلها التى جمعها الرعب من تلك الأريكة التى تتوسط صالونهم مجلساً، فرب البيت يعرف جيداً أنهم مُراقبون من قبل أجهزة الأمن السودانية الموجودة فى القاهرة، التى جاء إليها هرباً منذ وقت قريب لعلها تكون ملاذاً آمناً مستقراً له ولأسرته.
«مش هنروح لجدو يا بابا زى ما بنعمل كل عيد» كلمات تخرج من فم الطفل «وضاح»، يتذكر خلالها الأب «أسعد على حسن» عيد الفطر وسط الأهل والعشيرة، يفتح ذراعيه ليضم ابنه، فتجدها مليئة بالندبات والسحجات الناتجة عن تعذيب بدنى تعرض له، كان وقتها فى العاصمة الخرطوم، يعمل طبيباً فى المركز القومى لأمراض الكلى، فتبين له أن المُشرف على تجهيز خلطة الغسيل الكلوى كان يعمل فى السابق «سباكاً»، توجه لوزارة الصحة وتقدم بشكواه التى ذهبت أدراج الرياح، لم يكن أمامه سوى الإعلام الذى نشر من خلاله تفاصيل الفساد داخل مقر عمله، ليتم مصادرة الصحيفة ومنعها من النشر، ولأن المسئولين فى المركز تربطهم صلة قرابة بـ«البشير»، تم اعتقاله على الفور ليحكموا عليه بالسجن لمدة أربع سنوات مع إطلاق سراح مشروط.. يُقلب الرجل صاحب البشرة السمراء فى الكمبيوتر الخاص به فيجد أن بعض الأشخاص المجهولين قد أرسلوا إليه رسائل بريدية تُهدده بالانتقام منه وأسرته، ينقبض قلب رب الأسرة، فإحدى الكنائس بشمال السودان هى السبب فيما يتعرض له: «بعد الانفصال، قام مجموعة من الإسلاميين بحرق إحدى الكنائس فلم يكن من الدكتور أسعد ورفقائه إلا ترميم ذلك المبنى».. لتوجه إليه الاتهامات بـ«الردة عن الدين الإسلامى» ويُستباح دمه: «خبطوا على بيتى فى يوم وقالولى لو السلطان مقدرش يحاكمك إحنا هنطبق عليك شرع الله».
عيد الفطر بالنسبة للأسرة كان بعيداً عن تخيلهم، فالطبيب يخشى على أسرته من الملاحقة من قبل بعض رجال الأمن التابعين للسودان المنتشرين فى القاهرة، تأتى زوجته على استحياء حاملة «باسل» على كتفيها، بينما تقبض «سجود» فى عباءة والدتها، فبين جدران تلك الشقة البسيطة قضوا أول عيد لهم فى مصر، يجلس «وضاح» فى كنف والده مفتقداً عيدية أجداده، التى هى عبارة عن كيس حلويات كبير ينقض عليه فى الأكل حتى يمل من الشبع، هذا فضلاً عن «الجلابية البيضاء» التى يهديها لهم أعمامهم وأخوالهم.. «الخوف» هى الكلمة التى سيطرت على قلب الوالدين: «خايف جداً على أولادى ومراتى».. فى أولى أيام العيد اكتفت الأسرة بالخروج للتمشية فى الشارع المجاور للبناية التى يقطنون بها، فالأوضاع فى مصر ما زالت غير مستقرة أمنياً، تشارك رب الأسرة الأحزان زوجته «رباب»، ولكن بكل صمود: «بسبب الظروف قضينا العيد فى مصر.. الأطفال مبسوطين لكن فرحتهم ناقصة».
أخبار متعلقة:
أعياد العرب في القاهرة أفراح يسكنها الحزن والحنين
عيدية «حسن» السورى «أن يقتل بشار نفسه»
محمد عبدالغنى الطالب الثائر: العيد فى مصر جميل لكن قضاءه بين الأهل فى اليمن لا يقدر بثمن
«عادل عبدالكافى» طيار ليبي أنقته مصر بكلمة «لاجئ»