تخيل أن تكون معرضاً للعدوى بفيروسات الكبد أو الإيدز «بحكم مهنتك كطبيب»، ويكون بدل العدوى للطبيب 19 جنيهاً!!
أن تقف عاجزاً أمام أم تبكى وليدها، وأنت تملك العلم والعلاج، لكنك لا تستطيع إجراء جراحة تزيل عيباً خلْقياً للطفل دون وجود أحد الأسرّة لجسده الهزيل بعد الجراحة داخل الحضانات بمستشفى الدمرداش الجامعى!
هذا هو الواقع المؤلم الذى يعيشه الدكتور «محمد زعزوع»، جرّاح المخ والأعصاب، الذى اختارته مجلة «فوربس» العالمية بين الـ30 شخصاً الأكثر تأثيراً فى العالم، ممن هم أقل سناً من 30 عاماً فى العالم!
«زعزوع» قرر أن يهرب من هذا الواقع إلى «العمل التطوعى»، خاصة وهو يرى الإضراب يودى بحياة المرضى.. وبدأ بقضية حقوق المكفوفين، وقدم أبرز تجاربه «عشاء فى الظلام» التى دعا من خلالها برفقة زملائه بالجمعية عدداً من مشاهير المجتمع لحضور عشاء فى ظلام دامس بجانب عدد من الأطفال المكفوفين، لمعايشة معاناتهم وأزمتهم، وخلق شعور حقيقى بمعاناة الكفيف.
وهكذا، قرر الجرّاح الشاب أن يستمر فى حقل التوعية الصحية، فوُلدت فكرة جمعيته «مصريين أصحاء» التى أوصلته إلى قائمة الأكثر تأثيراً فى العالم بعد عام ونصف العام من تأسيسها، والتى أنشأها بمعاونة الأعضاء العشرة المؤسسين، وفى مقدمتهم والدته وزوجته وأصدقاء المدرسة والجامعة. وفور تخرجه فى كلية الطب أودع مبلغاً مالياً كبيراً فى حسابها بالبنك كان أولى نفقاتها ليتسنى موافقة الجهات الأمنية على فتح الجمعية.
وبدأت الجمعية فى توعية الأطفال ضد الأمراض من خلال كتب «التلوين»، فكرة بسيطة لكنها مؤثرة، لأن الذاكرة البصرية للطفل تخزن المعلومات عن الفيروسات.
الفكرة انتشرت، ووُزعت كتب التلوين خلال عام ونصف العام على 50 ألف طفل فى مصر حتى الآن وطُبعت فى الهند والبرازيل والكويت.
ثم تطورت الفكرة وتحولت من كتاب إلى مسرح للعرائس، وزاد عدد المتطوعين حتى وصل إلى 1600، وأصبح للجمعية فرق فى 12 محافظة، وفى مسرح العرائس بدل أن يعطى المتطوع الطفل كتاباً، يشرح له، وأمام كل متطوع 100 طفل قابع أمام المسرح، وفى كل حملة داخل عشوائية أو مدرسة وحضانة، يخرج مسرح عرائس متنقل، بجانب الكتب.. لا الدولة تشعر بمجهود جمعية «مصريين أصحاء» ولا الجمعية طلبت من الحكومة شيئاً.
لهذا، يتعجب الطبيب الشاب فى مرارة: «إحنا شيلنا الجزء الصعب من الثورة ومع ذلك محدش قدّرنا»، ويستطرد بابتسامة ساخرة: «الشرطة مرتباتها زادت، رغم أن الثورة قامت عشان ظلم الداخلية، واحنا زى ما احنا»!
الدولة لا تهتم بالطب الوقائى، ولا تعترف بالعمل التطوعى، ولهذا تجد واحداً من ثلاثين شاباً هم الأكثر تأثيراً فى العالم يقول: «الدولة لا تهتم بعملنا لأنه يغطى تقصيرها.. ورداءة المنتج الحكومى من شيخوخة الدولة». حتى حين يعود «زعزوع» بعد كل حملة وكل نجاح يصبو إليه، تقابله والدته عاقدة الحاجبين، تقول له: «مش هتبطل يا ابنى تضيّع وقتك، وتركز فى شغلك»؟
نحن نعيش فى دولة عاجزة وناكرة للجميل أيضاً، فلا هى تمد مظلة التأمين الصحى لتشمل كافة المواطنين، ولا هى قادرة حتى على علاج الفقراء من أبناء الوطن.. ورغم ذلك لا ترى «محمد زعزوع» ورفاقه. لا أحد يستفيد من تجربتهم، ولا أحد يدعمهم حتى رجال الأعمال الذين يمنّون علينا كل يوم فى وسائل الإعلام بأعمالهم الخيرية.. أو الوهمية!
إنهم يقتلون طموح الشباب، لكن «محمد زعزوع» الطبيب وفريقه يسعون إلى الاستفادة من ترتيب «فوربس» لإنتاج أكبر قدر من الحلقات الأخرى، ويبحثون عن دعم مادى، خصوصاً فى ظل التكلفة المادية الكبيرة التى لا تستطيع الجمعية تحمل نفقاتها، ويحلم «زعزوع» بإنتاج سلسلة حلقات تُعرض فى رمضان.
هل تنتظرون حتى يهاجر «زعزوع» هرباً من منظومة الإهمال والتراخى؟! أم أن هناك من قرر الاستفادة من طاقة هؤلاء الشباب وتعميم فكرتهم.. ودعمهم مادياً وأدبياً؟
مجرد سؤال ساذج!