حسن نافعة: «العسكرى» قبِل هيمنة «الإخوان» على البرلمان مقابل عدم الدفع «بمرشح للرئاسة»
قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمسئول عن إدارة ملف الحوار الوطنى فى المجلس الاستشارى، إن جلسات الاستماع لم تشهد أى تجاوب من قِبل جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، مشيراً إلى وجود تفاهمات بين المجلس العسكرى والإخوان، لاقتسام السلطة وإدارة المرحلة الانتقالية.[Image_2]
وكشف نافعة، فى حواره لـ«الوطن»، عن أنه سعى بالفعل لإقناع قيادات الإخوان بضرورة التوافق على معايير تشكيل الجمعية التأسيسية، قبل انعقاد الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب، وعلى رأسهم الدكتور عصام العريان، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل، مؤكداً أنه استعان بالسفير محمد رفاعة الطهطاوى والكاتب الصحفى فهمى هويدى، لإقناع الإخوان بالأمر.
* بداية، ما كواليس اختيارك لعضوية المجلس الاستشارى؟
- حين طرح المجلس الأعلى للقوات المسلحة فكرة تشكيل مجلس استشارى، كان لدىّ تحفظات عديدة على هذا الأمر، ولم يكن لدى أى نوع من الحماس للاشتراك فى هذا المجلس، وكان تقديرى أنه ربما يُتخذ كستار لتمرير سياسات معينة من جانب «العسكرى» يراد لها أن تبدو وكأن المجتمع المدنى والقوى السياسية توافق عليها، خصوصاً أن «العسكرى» رفض من قبل عدداً من الاقتراحات التى تضمنتها سلسلة مقالات عن كيفية إدارة المرحلة الانتقالية، كنت نشرتها فى «المصرى اليوم» بعد تنحى مبارك مباشرة، واقترحت فيها إنشاء مجلس رئاسى أغلبيته من المدنيين يقوده المشير حسين طنطاوى، وزير الدفاع السابق، ويتولى وضع الاستراتيجيات العامة لإدارة شئون البلاد فى المرحلة الانتقالية، تجنباً لانخراط المؤسسة العسكرية فى أمور السياسة، الذى يؤدى إلى إهمال دورها الأصلى كحارسة للتراب الوطنى، وحكومة انتقالية مستقلة تدير الشئون اليومية، وبرلمان مؤقت مشكل من البرلمان الموازى، الذى تشكل بعد انتخابات أحمد عز المزوة، فضلاً عن أبرز القيادات الشبابية. وفى أحد الأيام تلقيت اتصالاً هاتفياً من عمرو موسى، الأمين السابق لجامعة الدول العربية، أخبرنى فيه أنه شارك مؤخراً فى عدد من الاجتماعات استهدفت بحث تشكيل مجلس استشارى لمساعدة «العسكرى» على ترشيد إدارة ما تبقى فى المرحلة الانتقالية، وأن الأمر يؤخذ بقدر كبير من الجدية، وطلب منى الموافقة على الانضمام إليه بعد أن أكد لى أن أعضاء المجلس رحبوا بضمى لعضويته حين اقترح هو ذلك، وحين شرحت له أسباب تحفظى على فكرة إنشاء المجلس، أكد لى أن الجميع لديهم نفس هذه المخاوف والتحفظات، إلا أن أعضاء «العسكرى» أكدوا أنهم سيتعاملون بكل جدية مع «الاستشارى» وسيأخذون رأيه فى الاعتبار، وبعد أخذٍ وردّ انتهينا إلى أن التجربة تستحق أن تعطى فرصة فربما تفيد، وبعد ذلك بأيام تلقيت مكالمة أخرى من اللواء محمد العصار، لاستطلاع رأيى فى الانضمام لعضوية «الاستشارى» فأبلغته موافقتى.[Quote_1]
* لكنك أعلنت استقالتك قبل أن تذهب للجلسة الأولى للمجلس، لماذا؟
- تزامن الاجتماع الأول لـ«الاستشارى» مع اندلاع اشتباكات مجلس الوزراء، وقبل توجهى لحضور هذا الاجتماع كنت ظهرت على إحدى القنوات الفضائية، وخلال اللقاء أبديت وجهة نظرى عن صعوبة الأجواء التى ينعقد فيها المجلس الاستشارى، الذى كان يجب أن يتحاور معه «العسكرى»، قبل أن يقرر فض الاعتصام بالقوة، وكان تقديرى أن هذا الموقف من المجلس العسكرى يجب أن يواجه بشدة من جانب أعضاء «الاستشارى»، الذين يتعين عليهم تقديم استقالة جماعية، اعتراضاً على سلوك «العسكرى» فى إدارة الأزمة.
وكانت وجهة نظرى، التى شرحتها فى اللقاء، أنه كان على المجلس العسكرى أن يعرض الأمر على أعضاء «الاستشارى» لبحث آليات فض الاعتصام بالطرق السلمية، وكان يمكن لـ«العسكرى» وقتها أن يستفيد من علاقات أعضاء المجلس الاستشارى الجيدة بالقوى السياسية المختلفة وبشباب الثورة للتوصل إلى حلول تجنباً لإراقه الدماء، ثم توجهت فور انتهاء اللقاء التليفزيونى لحضور أول جلسة لى مع المجلس الاستشارى، لمناقشة تطورات الموقف عن الاشتباكات التى اندلعت عند مقر مجلس الوزراء.
* وكيف جرت مناقشة الأمر بين أعضاء المجلس؟
- الحقيقة أن تلك الجلسة كانت عاصفة، ووجه معظم الأعضاء انتقادات شديدة لطريقة إدارة «العسكرى» للأزمة، وفى حضور اللواء محمد العصار الذى عرض وقائع تبرئ ساحة «العسكرى»، فعرض بعض أعضاء «الاستشارى» وقائع وحقائق أخرى تدينه، وكان ممثلو «العسكرى» يتركون الاجتماع كل عدة دقائق ويخرجون لإجراء اتصالات هاتفية لمتابعة التطورات، وتبين لنا أن ما يقال داخل الاجتماع لا علاقة له بما يدور على أرض الواقع، فقررت أغلبية الحاضرين فى هذا الاجتماع إصدار قرار بتجميد نشاط المجلس بشكل مؤقت، ولكنى لم أرغب فى استباق الأحداث بتقديم استقالة فردية، معتبراً أن التجميد الجماعى لنشاط المجلس يعد موقفاً أقوى من المواقف الفردية، وأن يتمكن المجلس الاستشارى، بعد تجاوز أزمة أحداث مجلس الوزراء، أن يلعب دوراً مفيداً للتوصل إلى توافق بين القوى السياسية على تشكيل الجمعية التأسيسية التى ستتولى وضع الدستور، ولم أتقدم بالاستقالة إلا بعد أن تيقنت أن قدرة «الاستشارى» على التوصل لتوافق بين القوى السياسية المختلفة على المعايير المتعلقة باختيار أعضاء الجمعية التأسيسية باتت معدومة.
* وهل اشترطت بالفعل تولى ملف الحوار الوطنى بين القوى السياسية بمفردك؟
- طلبت فقط الانفراد بمهمة إجراء الاتصالات التمهيدية التى استهدفت استطلاع آراء القوى السياسية عن فكرة عقد اجتماعات تضم كل القوى السياسية الرئيسية، لبحث إمكانية التوصل إلى توافق على معايير تشكيل «التأسيسية»، حتى لا يحدث تضارب وتعارض يربك العمل ويؤدى إلى ازدواجية فى الاتصالات والشرح، وكنت أطلع المجلس الاستشارى بانتظام على تفاصيل هذه الاتصالات، أما جلسات الحوار التى عقدت فيما بعد، فكانت تدور تحت أعين «الاستشارى»، وحضور من يرغب من أعضائه، إلا أن البعض كان يريد أن يقترح «الاستشارى» منذ البداية معايير تشكيل الجمعية التأسيسية بنفسه، وأظن أن كلاً من الدكتور محمد نور فرحات، وسامح عاشور، نقيب المحامين، كانا يتبنيان الفكرة، وكان تقديرى أنه يجب أن نحاول أولاً بذل جهد لجمع الأطراف المختلفة والتوصل إلى توافق على المعايير، وتبين فيما بعد أن «العسكرى» لا يريد إقحام نفسه فى هذا الأمر، نظراً لرفض حزب الحرية والعدالة تدخل «الاستشارى» فى موضوع تحديد معايير اختيار «التأسيسية»، إلا أننى نجحت فى إقناع أعضاء المجلس الاستشارى بأن محاولة التوصل إلى توافق وطنى فى هذا الأمر هو السبيل الوحيد، ومن هنا جاء تكليفى من جانب المجلس بإدارة ملف الحوار الوطنى بين القوى السياسية المختلفة للتوافق حول معايير «التأسيسية».[Quote_2]
* وكيف كان موقف الإخوان من جلسات «الحوار الوطنى»؟
- رفضت جماعة الإخوان، ممثلة فى حزب الحرية والعدالة، حضور أية جلسة للحوار للتوصل إلى توافق وطنى على معايير تشكيل «التأسيسية»؛ ولأننى كنت على يقين من أنه لا جدوى من الحوار، إذا لم تكن جماعة الإخوان المسلمين ممثلة فيه، فإننى بذلت كل ما أستطيع من جهد لإقناع حزب الحرية والعدالة بجدوى مشاركتهم، وبالفعل تمكنت من ترتيب لقاء مع الدكتور عصام العريان، فى مقر حزب الحرية والعدالة، حضره الدكتور وحيد عبدالمجيد، وكان يشغل منصب المنسق العام للتحالف الديمقراطى آنذاك، وبعض الشخصيات الأخرى من الحزب، وأكدت للجميع أن الوقت ضاغط وأن على القوى السياسية أن تبحث عن صيغة للتوافق على كيفية اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية حتى يصبحوا جاهزين عندما تكتمل الانتخابات، وحينها يصبح من السهل الاتفاق على الأعضاء الـ100 فى الجلسة الأولى أو الثانية للاجتماع المشترك لمجلسى الشعب والشورى والاستفادة من الوقت للانتهاء من كتابة الدستور قبل الانتخابات الرئاسية. وكانت قناعتى أنه إذا حسنت النوايا فسوف يسهل تحديد أسماء الأعضاء، وتصبح الجماعة الوطنية جاهزة بمجرد انعقاد البرلمان لتشكيل الجمعية والبدء فى كتابة الدستور، وربما الانتهاء منه قبل انتخابات الرئاسة. وعلى الرغم من ترحيب العريان بفكرة التوافق من حيث المبدأ، فإنه رفض حضور الاجتماعات التى عقدت تحت مظلة المجلس الاستشارى، فيما بعد، ربما من منطلق أنه يجب ترك هذه المهمة للبرلمان وهو الذى سيحدد بنفسه هذه المعايير فى جلسات مشتركة لمجلسى الشعب والشورى، تعقد لهذا الغرض وفقاً لما تقضى به المادة 60 من الإعلان الدستورى.
وأحسست بعد ذلك أن هناك نوعاً من المراوغة، من جانب «الحرية والعدالة»، لكننى لم أيأس، وأقنعت كلاً من السفير محمد رفاعة الطهطاوى والأستاذ فهمى هويدى، للتوسط ومحاولة إقناع الدكتور محمد مرسى بضرورة البحث عن أرضية للتوافق الوطنى منذ الآن، ولكن تلك الوساطة لم تفلح، وكان الرد أن الإخوان ليسوا متحمسين لهذا الأمر، ومن خلال تحليل الأمور اتضح لى أن «الحرية والعدالة» لم يكن مقتنعاً بأن الوقت ضاغط أو ضرورة أن يكون الدستور جاهزاً قبل الانتخابات الرئاسية، وأن هذا يتطلب توظيف الفترة التى تسبق انعقاد البرلمان للوصول لاتفاق وطنى على الجمعية التأسيسية، ويجب أن نلاحظ أن المعركة بين الإخوان والمجلس العسكرى على الترشح للانتخابات الرئاسية لم تكن بدأت بعد، وكان الغموض يكتنف الموقف، وبدا أن هناك مفاوضات تجرى بين المجلس العسكرى والإخوان للتوصل إلى مرشح رئاسى توافقى.
* إذن كيف دارت جلسات «الحوار الوطنى» فى غياب «الحرية والعدالة»؟
- معظم القوى السياسية الأخرى، وفيها حزبا النور والبناء والتنمية، أبدت ترحيباً بفكرة الحوار الوطنى، وبالفعل أخذت الجلسات طابعاً جيداً للغاية على الرغم من رفض حزب الحرية والعدالة الحضور، وأعلن الدكتور السيد البدوى، رئيس حزب الوفد، آنذاك ترحيب حزبه بما سيجرى الاتفاق عليه، حتى وإن لم يتمكن هو شخصياً من المشاركة فى الحوار، وكان تقديرى وقتها أنه إذا أمكن التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المتحمسة للحوار، فسوف نضع حزب الحرية والعدالة فى موقف صعب وسيكون عليه أن يتحمل وحده مسئولية تعطيل التوصل إلى وفاق وطنى بعد ذلك، لكننى لاحظت بعد فترة من بدء الجلسات تراجعاً من قِبل «النور» الذى قاطع الجلسات الأخيرة للحوار الوطنى، وطرحتُ خلال إحدى الجلسات فكرة لاختيار الـ100 عضو من قِبل القوى السياسية قبل انعقاد الدورة البرلمانية، تتمثل فى أن يعد كل حزب قائمة بترشيحاته للأعضاء الذين يرى أنهم الأجدر بكتابة دستور «مصر الثورة»، ثم نقارن بين القوائم المختلفة، وكان تقديرى أننا سنكتشف وقتها أن هناك توافقاً بين جميع القوى السياسية على 50 عضواً منها، ثم نعيد الكرة مرة ثم مرات أخرى حتى إكمال المائة عضو، وكان هدفى من ذلك، أن يجرى إقناع القوى السياسية بأن المشكلة ليست فى اختيار أعضاء «التأسيسية»، ولكن فى التوافق على مبدأ الحوار والوفاق الوطنى، فأحياناً تختلف الأحزاب على قضايا دون أن تدرك بالضبط حول أى شىء تختلف، ودون أن تتمكن من تحديد ما تتفق عليه قبل أن تحاول توسيع نطاق الأرضية المشتركة، وإذا أضفنا إلى هذه الأجواء غياب أية مؤشرات تقنعنا بأن المجلس العسكرى متحمس للحوار وتؤكد ترحيبه بالوصول لحالة من الوفاق الوطنى حول معايير «التأسيسية» لأدركنا كمّ الصعوبات التى اكتنفت الأجواء المحيطة بهذا الملف، وبصراحة أقول إننا بدأنا نشعر بأن اتصالات سرية تجرى بين المجلس العسكرى وجماعة الإخوان لم نكن على دراية بتفاصيلها، ولأن منصور حسن كان يمثل حلقة الوصل الوحيدة بين «الاستشارى» و«العسكرى»، ولم يكن «العسكرى» يعقد جلسات حوار منتظمة مع أعضاء «الاستشارى» وفقاً لما كان مقرراً قبل انطلاق «الاستشارى»، وبدأت شخصياً أشعر أن مخاوفى من تحول المجلس إلى مجرد غطاء لتمرير مواقف وسياسات تصنع من وراء ظهره كان لها ما يبررها.[Quote_3]
* هل ذلك يعنى أن «العسكرى» لم يكن على علم بتطورات الأحداث فيما يخص جلسات الاستماع؟
- لا أعلم إذا ما كان «العسكرى» لديه علم بتطورات الأحداث فيما يخص جلسات الاستماع آنذاك، ولكنى أؤكد أنه لم يجرِ أى تواصل بينى وبين أىٍّ من أعضاء «العسكرى» عن هذا الأمر، ولم يطلبنى أحد لمناقشتى فيما يجرى أو ما توصلنا إليه، ولم يكن «العسكرى» يحضر أياً من جلسات الوفاق الوطنى ولم يسعَ لحث القوى السياسية على التوافق، خصوصاً «الحرية والعدالة».
* من خلال متابعتك للأحداث فى تلك الفترة؛ هل كان «العسكرى» يعوِّل على جماعة الإخوان المسلمين لضبط المرحلة الانتقالية؟
- أعتقد أن «العسكرى» عندما آلت إليه مسئولية إدارة المرحلة الانتقالية أبرم تفاهمات مع جماعة الإخوان المسلمين، ولأنه لم يكن يمتلك الخبرة لإدارة الأمور السياسية التى تؤهله لإدارة شئون البلاد، وكان من الطبيعى أن يحاول المجلس العسكرى تحسين علاقته بجماعة الإخوان، باعتبارها الجماعة الأكثر تنظيماً وفاعلية، حتى يحصل على قدر من الهدوء والاستقرار يسمح له بإدارة المرحلة الانتقالية دون مشكلات، ولكن اكتشفت بعد ذلك أن التفاهمات ربما تكون تجاوزت القدر اللازم لضمان تحقيق الاستقرار، خلال المرحلة الانتقالية، وتطرقت إلى ما هو أبعد والعمل على اقتسام السلطة فيما بينهما، أى فيما بين «العسكرى» والإخوان، وأحسست أن «العسكرى» لم يكن يمانع من هيمنة التيار الإسلامى بشكل عام وجماعة الإخوان بشكل خاص على البرلمان، مقابل الحصول منهم على التزام بعدم الدفع بمرشح فى الانتخابات الرئاسية، وأعتقد أن بذور هذه التفاهمات كانت قائمة قبل تولى المجلس العسكرى السلطة رسمياً، وأثناء جلسات الحوار بين اللواء عمر سليمان، بصفته نائباً لرئيس الجمهورية آنذاك وباقى القوى الوطنية.
* البعض أثار أن منصور حسن كان مرشحاً توافقياً بين «العسكرى» والإخوان، ما تعليقك؟
- حين طُرح اسم منصور حسن لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، بدا وكأنه المرشح التوافقى، فكيف يمكن تصور أن يقدم شخص لديه حنكة سياسية، مثل منصور، الذى كان على وشك أن يصبح نائباً للرئيس السادات، على خطوة مثل هذه دون أن يضمن أن هناك حداً أدنى من التوافق بين «الجماعة» والمجلس العسكرى على ترشحه، وربما قيل لمنصور، إنه المرشح التوافقى للمجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين، وأن هذا هو السبب الذى دفعه لتحجيم نشاط المجلس الاستشارى، ومنعه من الإقدام على أية خطوة تغضب الإخوان، والتقيت به فى منزله مرة لمناقشة الأمور المتعلقة بجلسات الحوار الوطنى، وشعرت آنذاك أنه عصبى بعض الشىء، وأنه حريص على عدم إغضاب «الجماعة» أو المجلس العسكرى، وفسرت ذلك لنفسى على أنه ربما تكون هناك تفاهمات مستترة بين المجلس العسكرى و«الجماعة» على معايير تشكيل الجمعية التأسيسية، وربما أيضاً على المرشح الرئاسى التوافقى، لكن ذلك كله كان من قبيل الاستنتاج وليس المعلومات.
* طرح خلال تلك الفترة اسمك، كمرشح توافقى بين «العسكرى» والإخوان، ما حقيقة الأمر؟
- لم يحدث بينى وبين أعضاء حزب الحرية والعدالة أى مناقشات عن هذا الموضوع، ولكن كل ما فى الأمر أنه جرى حوار بينى وبين عدد من رموز «الجمعية الوطنية للتغيير» على تقييم المشهد السياسى فى ذلك الوقت، وتطرق الحوار لضرورة البحث عن مرشح توافقى من خارج التيار الإسلامى، وطرح اسم الدكتور محمد البرادعى، آنذاك، ولكن البعض لم يكن يرى أن البرادعى هو المرشح الأوفر حظاً أو حتى لديه الاستعداد الكافى لخوض تلك التجربة، وفاتحنى البعض لاحقاً وطلب منى أن أبحث إمكانية خوض الانتخابات الرئاسية، وفى إطار هذه المشاورات، ذهبت للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، وطرحت عليهم فكرة أن تصطف التيارات المدنية خلف مرشح واحد، وقالوا إنهم عقدوا جلسات استماع مع عدد من المرشحين ولم يستقروا بعد على من سيدعمون فى الانتخابات الرئاسية، لكن كان واضحاً أن التيارات المدنية يصعب أن تتفق على مرشح واحد، ولم يستغرق منى التفكير الجدى فى أمر الترشح سوى عدة أيام أو على الأكثر أسابيع قليلة، ولم يحدث قط أن أعلنت أننى سأتقدم للترشح، على الرغم من أننى فكرت فعلاً فى هذا الخيار، وتحدثت فيه مع بعض الأصدقاء والتلاميذ.
* ننتقل للحديث عن ملف «الجبهة الوطنية»، البعض لا يرى دوراً حقيقياً للجبهة؛ خصوصاً بعد تولى مرسى الرئاسة؟
- علينا أولاً الإشارة إلى أن «الجبهة الوطنية» تشكلت فى الفترة التى تلت انتخابات المرحلة الثانية، وقبل الإعلان الرسمى عن النتيجة، وكان هدفها الرئيسى، فى تقديرى الشخصى، منع أى محاولات لتزوير نتائج الجولة الثانية، ولأن الدكتور مرسى كان يدرك جيداً أن إدارة جماعة الإخوان المسلمين المنفردة للدولة فى المرحلة الحالية ستكون بالغة الصعوبة، فكان من الطبيعى أن يفكر فى حاضنة سياسية تكون أوسع من جماعة الإخوان، وفى هذا السياق سنحت فرصة حقيقية لعودة اصطفاف القوى الوطنية التى شاركت فى الثورة والاتفاق على إطار لإدارة الدولة فى مرحلة ما بعد إعلان النتائج، وفى هذا السياق أظن أن «الجبهة» حصلت من الدكتور مرسى على تنازلات مهمة يمكن، حال الالتزام بها، تخفيف حدة الاحتقان فى الحياة السياسية التى تشهد استقطاباً حاداً وتلحق الضرر بالوطن كله. وكان لأعضاء «الجبهة» رؤية آنذاك، بضرورة التأكيد على الشراكة الوطنية والمشروع الوطنى الجامع الذى يعبر عن أهداف الثورة وجميع أطياف ومكونات المجتمع، ويمثل فيها المرأة والأقباط والشباب، وأن يضم الفريق الرئاسى وحكومة الإنقاذ الوطنى جميع التيارات الوطنية ويكون رئيس هذه الحكومه شخصية وطنية مستقلة، ورفض الإعلان الدستورى المكمل الذى يؤسس لدور سياسى غير محدد المدة للمجلس العسكرى ويسلب الرئيس صلاحياته ويستحوذ على السلطة التشريعية، ورفض القرار الذى اتخذه المجلس العسكرى بحل البرلمان الممثل للإرادة الشعبية، ورفض قرار تشكيل مجلس الدفاع الوطنى الصادر من قِبل المجلس العسكرى، فضلاً عن تكوين فريق إدارة أزمة يشمل رموزاً وطنية للتعامل مع الوضع الحالى، والسعى لتحقيق التوازن فى تشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن صياغة مشروع دستور لكل المصريين.
* ماذا عن تباين موقف «الجبهة» بتعليق الشراكة مع مرسى؟
- حتى الآن لم يتخذ قرار بفض الشراكة أو تجميد أعمال «الجبهة»، ولكنها عقدت مؤتمراً صحفياً أعلنت فيه عن عدد من التحفظات على طريقة تشكيل حكومة الدكتور هشام قنديل، بدءاً من قرار تعيينه كرئيس للوزراء، وصولاً لآلية اختيار الوزراء، الذين كانت لهم مواقف معادية للثورة، فلم تكن هذه هى الحكومة التى نريدها أو نتمناها لمصر فى هذه المرحلة. وكان التلكؤ فى إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية من بين أبرز الأمور التى جعلتنا نتحفظ على طريقة الرئيس مرسى فى إدارته للبلاد فى تلك المرحلة، وربما تسبب مقال حمدى قنديل، الذى قال فيه: «أنعى إليكم الشراكة»، فى إثارة قدر من اللغط عن «الجبهة الوطنية»، وما إذا كانت ما تزال قائمة أم لا، لكن الشىء المؤكد أن مقال قنديل، نُشر قبل اجتماع «الجبهة»، وعبر عن وجهة نظر شخصية.
* إذن هل هذا يعنى أن «الجبهة» ما زالت قائمة؟
- هذا صحيح، فلم يصدر قرار بتجميد الشراكة أو انتهاء أعمال «الجبهة» كما قلت، ولسنا جبهة لتأييد الرئيس مرسى أو شركاء له فى إدارة البلاد، ولكننا أشبه بجماعة ضغط لضمان وضع مصر على الطريق الصحيح.