أنت لا تصبح ذاتاً أخرى غير ذاتك فى حقيقة الأمر، إن الشخص الآخر سيستمر امتداداً من ذاته الأولى وشخصه الأول ولن يخرج عنها إلا كما يخرج قطار من قضبان إلى قضبان أخرى، ولكنه يظل القطار نفسه. التغيير الجوهرى استثناء أو مؤقت.
ربما تحكى الحكايات والكتب شيئاً آخر لم نره فى حياتنا عن ذوات صارت ذوات أخرى بعقل ونفس ومشاعر وأفعال غير ما كانت عليه، لكن أين هى فى حياتنا إن لم يمسها جنون؟
انظروا كمثال متطرف إلى التائبين والتائبات من أى شىء أو أى فعل وراجعوا عيونهم يلمع فيها الفخر والاعتزاز بتاريخهم القديم الذى ميّزهم وأعلمهم للناس أجمعين سلباً أو رفضاً أو إعجاباً بالقدرات والإمكانيات حتى لو شراً، إنه وجودهم وحياتهم ودون ذلك فهم ليسوا هم، ولولا تاريخهم (حتى بفرض أنه مشين) ما كانوا هم التائبين والتائبات مصدر الإعجاب ومحط الأنظار وبؤرة الاهتمام وأصله، لولاه ما صاروا فى الحقيقة هم. إنهم يستكملون الأصل فى نفوسهم أو يعودون إليه أو يلفون حوله وكل أعمالهم ومواقفهم هى تنويعات على اللحن الأصلى أو توزيع جديد تمليه فكرة تنشأ/ موقف أو حادث/ ضغط يمارس/ قلوب ترجو/ سوق تطلب/ قوة تفرض/ مصلحة تستدعى.
المقتر لن يصير سفيهاً إلا لو أصابته نوبة جنون والمتطرف الملحد قد يصير متطرفاً دينياً لأن أصله التطرّف وليس الإلحاد أو الإيمان.
هذه مقدمة ليست ضرورية لحديث السياسة، ولكنها ألحت رغماً عنى وأنا أقرأ الميزانية الجديدة التى أعلنها وزير المالية الذى كان فى عهد «مبارك» مسئول وحدة السياسات المالية الكلية بوزارة المالية ومساعداً لبطرس غالى المتهم الهارب الذى فاته قطار براءة أقرانه الشجعان.
الميزانية وقبل التفكير والفعل فى زيادة دخل المواطن تهدف إلى زيادة الضرائب بنسبة 27% عن سابقتها، وتخفيض الدعم، مما سيرفع الأسعار تلقائياً، وتقول إنها بعد أن تفعل ذلك ستأتى الاستثمارات وفرص العمل والخير كله، وكان يوسف بطرس (الأول) قد بدأ ذلك فى 2004 بمساعدة المذكور، وكان الخير الوحيد الذى أتى به هو الثورة! وسيذكر التاريخ لهما ذلك. وأعتقد أن بطرس الثانى جاء بالنار مع حكومته والرئيس كأصلاء يسيرون على القضبان ذاتها لتستكمل الثورة طريقها.
وكانت الحكومة فى مشروع الميزانية الأول قد اعتمدت مبلغ 248 مليار جنيه كبند للأجور، ولكن مع رفض الرئيس للمشروع خفّضت هذا البند، فصار 207 مليارات جنيه (كان 183٫8 مليار جنيه فى ميزانية 2013/ 2014) ويؤخذ فى ميزانية 2014/ 2015، اعتبار تطبيقات الحد الأدنى للأجر وزيادة كل المعينين على كوادر كالأطباء والمعلمين وغيرهما، ثم نسبة التضخم التى توقعتها الحكومة 11%، مما يعنى أن الأجور انخفضت فعلاً ولا تغطى التضخم وزيادة الأسعار الحتمى وكانت 9% من الناتج المحلى 2013/2014، فصارت 8.6%، بينما زادت المصروفات الأخرى.
ثم زيدت الضريبة على الأجور حوالى 4٫4 مليار جنيه، وألغى الإعفاء الضريبى على العلاوات، وأوقف ضمها إلى الراتب الأساسى مع تقليص دعم التأمين الصحى والدواء من 2٫675 مليار جنيه إلى 811٫4 مليون جنيه، بينما موّلت الزيادة فى دعم الصحة والتعليم بحوالى 20 ملياراً من خفض دعم الطاقة (40 ملياراً)، ومن ذقنه وافتل له!
يفعلون ذلك رغم أنه باستبعاد المنح والموارد الاستثنائية فإن إجمالى الإيرادات قد حقق نسبة نمو فى الميزانية الجديدة 35% عن 2013/ 2014، ومع ذلك يؤخذ من المستضعفين ودعمهم ولا يمس ما بين 70 - 100 مليار جنيه فى الصناديق الخاصة.