مؤمن سليم يكتب.. التشريع بين السياسة والصياغة (1)
مؤمن سليم، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين
هل فكرت يوماً كيف يسير يومك؟ لماذا تدفع ضريبة القيمة المضافة؟ وأين تصرف حصيلة الضرائب؟ هل تساءلت يوماً ما عن منزلك وكيف يتم شراءه وتسجيله؟ وماذا يعنى أنه منزل مُرخص؟ وما الهدف من قانون التصالح على البناء؟
يقول الفيلسوف مونتسكيو: إن القوانين بأوسع معانيها وأكثرها تعميماً هي العلاقات الضرورية التي تنشأ عن طبيعة الأشياء. عزيزى المواطن فى أى دولة وتحت أى نظام حكم، السياسة هى التى تُسير لك حياتك، وتلك السياسة صنيعة مجموعة أشخاص يؤمنون بأفكار ومعتقدات تختلف بأختلاف الجماعة السياسية. فهناك الليبراليين والأشتراكيين والأسلاميين والقوميين والشيوعيين ..الخ وكل منهما يسعى لتطويع وتطوير المجتمع وفقاً لرؤيته، تلك الرؤية التى يعبر عنها بالسياسات، فهناك سياسات تعليمية، وأخرى ضريبية، وسياسات إجتماعية ، وسياسات خارجية ..الخ. تلك السياسات يتم تطبيقها من خلال التشريعات أو القانون كما هو متعارف عليه.
وبالنظر فى تاريخ القانون نجد أن المشرع سعى فى كل زمان ومكان إلى تنظيم العلاقات بين مختلف مجالات الحياة بمنظور حقوقى من خلال التشريع، بدءً من قوانين حمورابى التى جاءت لتحارب الظلم وتحقيق العدالة والمساواه والتى خُلدت فى تاريخ القانون حتى يومنا هذا كأول قانون مسجل فى التاريخ، ثم بدأت صياغة التشريع فى التطور، فظهرت التشريعات اليونانية فى روما القديمة، ومع تطور الذكاء الإنسانى والمجتمعى وكثرة التجارب الإنسانية وتسجيلها وصلت تشريعات جستنيان، ثم قامت الثورة الفرنسية فى 1789 والتى ساهمت بشكل كبير في تطور الصياغة التشريعية وظهور مدارس تشريعية وقانونية متعددة.
هذا التشريع أو القانون يصدر بعد عدة مراحل أولاهما هي وضع السياسة التشريعية والتى يقوم عليها رئيس الجمهورية أو السلطة التنفيذية أو أغلبية مجلس النواب أو الأحزاب والتكتلات السياسية، حيث يجب أن يضعها سياسى وذلك نظراً لكونها معبرة عن فكرة أو رأى أو توجه سياسي، ثم يتم صياغة تلك السياسة التشريعية فى قانون، تلك الصياغة القانونية يجب أن تكون محُترفة ومُعبرة عن مقصد السياسة التشريعية وفلسفتها، وتلك يقوم بها محترفو الصياغة التشريعية والذى لا يشترط فيهم أن يكونوا سياسيين ولا مانع من أن يكونوا أيضاً سياسيين، ولكن القصد أن يكونوا من القانونيين أصحاب الدراية والخبرة بقواعد وأصول التشريع، فليس كل قانوني يجُيد الصياغة التشريعية.
واصطلاحاً تُعرف عملية صياغة التشريع بأنها عملية نقل وتحويل المعطيات والحاجات والضوابط الاجتماعية بشكل منظم وملزم الى نصوص قانونية محكمَة تسعى إلى تحقيق الغاية الاساسية من التشريع والمتمثلة بحفظ الامن والامان والنظام والسعي إلى تحقيق العدالة
والمساواة والتنمية والتقدم وحفظ الاستقرار والضوابط والمراكز القانونية، كون إن وقائع الحياة المتعددة تعصى على الادراك، في حين أنَ اساليب الصياغة التشريعية محددة الامكانات والطرائق.
فالمشرع قد أخذ على عاتقه محاولة الموائمة بين طرفي المعادلة الصعبة للجمع بين كمال التحديد وإتقان التكييف، في محاولة وضع التشريعات في قالب يُسهل توصيلها إلى مستعمليها ويحفظ لهم آدميتهم وكرامتهم دون أي تميييز.
مؤمن سليم، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين