الدكتور محمد نصار يكتب: السيدة زينب.. مهبط أشواق المصريين إلى «المصطفى»
د. محمد نصار
آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم قطعة من ذاته الشريفة، وقد أشار المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى حين وصف السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها بأنها «بَضعة منى». ولم يغفل المسلمون - خاصة المصريين - عن هذا المعنى، بل جعلوا محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم متجلية فى محبتهم لآل بيته، وهى محبة سُنِّية خالصة.
واتخذت هذه المحبة مظاهر محسوسة، إذ لا معنى للمحبة دون مظاهر تكشف عنها. ومن هذه المظاهر مواسم الاحتفال بآل البيت المسماة بالموالد، ومنها تعهُّد مقاماتهم المنيرة بالزيارة. وقد اعتنت الدولة على مر عصورها بمساجد آل البيت، فشيّدتها على أحسن وجه، وأمدّتها بكبار العلماء وأساطين قراء القرآن، فصارت مساجدهم مشاهد للحب ومعالم للقرب ومعاهد للعلم والذكر والسنة.
ومن أهم هذه المقامات مقام حفيدة النبى السيدة زينب بنت على والسيدة فاطمة الزهراء وأخت الحسنين رضى الله عنهم. وقد وُلدت السيدة زينب سنة 5 هجرية فى حياة جدها المصطفى صلى الله عليه وسلم، لذا تُعد من الصحابيات كذلك، لأن الصحابى من لقىَ النبى مؤمناً ومات على ذلك. وكفى أن يجتمع لها شرف البضعية وشرف الصحبة لتكون محط رحال المصريين ومهبط أشواقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتزوجت رضى الله عنه بسيدنا عبدالله بن جعفر الطيار وأنجبت منه ثلاثة أبناء: عون وعباس وعلى. وشهدت موقعة كربلاء التى استُشهد فيها ابنها السيد عون. وتُنسب لها خطب ألقتها بين يدى الظلمة قتلة سيدنا الحسين رضى الله عنه. ولا شك أنها بمكانتها من أمها وأبيها، بل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان وجودها مما واسى الله به آل البيت فى مصابهم فى حياتها، كما سيواسى بها أهل مصر بعد وفاتها. لقد صار مقامها الشريف قبلة للضعفاء والفقراء والمظلومين، ينصرهم الله تعالى بتوسلهم بها ودعائهم الله بالفرج والنصر عند مقامها. وللناس معها قصص فوق الحصر، ولها كرامات معهم تقع فى كل عصر كُتبت بمداد البكاء وانتهت بتحقق الخير والرجاء وحصول الفرج ورفع الحرج.
ويجادل كثير من الناس فى دفنها فى مصر مع إطباق أهل الصلاح والبصيرة من العلماء والأولياء على وجودها بهذا المكان. ومن ضيق الأفق أن يتوقف إنسان عند مسألة ثبوت دفنها رضى الله عنها فى هذا المقام من عدمه، فأحوال البرزخ فوق إدراك العقول، وعالم الأرواح، خاصة الأرواح العظيمة، تختلف قوانينه تمام الاختلاف عن قوانين عالم الأجساد، فليست ذات الإنسان منحصرة فى جسده، وليست الروح محكومة بقيود الجسم. أما المحبون فلا يلتفتون إلى تشكيكات المشككين، لأنهم عاينوا هذا الحضور وعرفوا آثاره معرفة اليقين.
ويجادل آخرون فى شد الرحال إلى مقامها ومقامات الصالحين عموماً، استناداً إلى فهم باطل لحديث «لا تُشد الرحال إلا لثلاثة مساجد»، لأن المقصود بزيارة الناس لها المقام الشريف، لا المسجد. ومعنى الحديث: لا تُشد الرحال لمسجد من المساجد بغرض الصلاة فيه إلا للمساجد الثلاثة، هكذا قال العلماء فى كل عصر ولم يشذ منهم إلا شرذمة عالية الصوت كثيرة الشغب. ولو كانت المقامات داخلة فى المنع لكانت الرحلة لطلب العلم وزيارة المريض وتحصيل الرزق ممنوعة كذلك، وهذا لا يقول به عاقل. وليت المشاغبين يقرأون سير مشايخ الإسلام وكتبهم كى يعرفوا ما هم عليه من البطلان والشقاق. ولقد امتدح آل بيت المصطفى أئمة الدين وسادة العلماء فى كل عصر مقرين بأن محبتهم من أعظم الأبواب التى ينال بها المسلم محبة الله تعالى ومحبة النبى صلى الله عليه وسلم، فقال الإمام الشافعى رحمه الله:
يا آلَ بيتِ رسولِ الله حُبكمُ ** فرضٌ من الله فى القرآنِ أنزله
يكفيكمُ من عظيم الفخر أنكمُ ** من لم يصلِّ عليكم لا صلاةَ له