خبير: التلوث الكهرومغناطيسي لا يُمكن رؤيته ولا سماع صوته.. وجرعاته تخترق الجسم في صمت
«حسن»: الموبايل والميكروويف والخلاط والثلاجة والغسالة أبرز مسبباته
الدكتور ياسر حسن
كشف الدكتور ياسر حسن، أستاذ كيمياء تلوث الهواء بالمركز القومى للبحوث، أن الأجهزة الكهربائية العديدة الموجودة بالمنازل، ومن بينها الثلاجة والغسالة والخلاط والميكروويف وأحياناً البوتاجاز، ناهيك عن الموبايل، قد تكون مصدراً لـ«التلوث الكهرومغناطيسى» الذى يعيش معنا، فى المطابخ وغرف المعيشة والنوم، دون أن نراه أو نسمعه، ويأتى فى مقدمة المتأثرين سلباً به الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل. ودعا حسن فى المقابل لترشيد استخدام الأجهزة الكهربائية والابتعاد عنها قدر الإمكان أثناء التشغيل للحد من أضرار هذا النوع من التلوث.. وإلى نص الحوار:
ما طبيعة التلوث الكهرومغناطيسى؟ وما الذى يميزه عن بقية أنواع الملوثات؟
- هناك أنواع من التلوث غير مرئية، وأنواع مثل التلوث الضوضائى أو السمعى، لا تراها لكن تسمعها بأذنك، وبالنسبة للمجال الكهرومغناطيسى فهو مجال كهربى يتم تحميل مجال مغناطيسى عليه، ولذلك نسميه (كهرومغناطيسى).. والمجال الكهرومغناطيسى لا يُرى بالعين ولا يُسمع بالأذن، وهنا تكمن الخطورة، وهى أنك تأخذ جرعة (من هذا النوع من التلوث) وأنت لا تدرى، والمجال الكهرومغناطيسى هو مجال خارجى وداخلى، لكن المشكلة الأكبر تكمن فى المساكن التى نسكن فيها، بما فيها من أجهزة.
وأبسط الأجهزة الموجودة فى المساكن، «المحمول»، وهو يعمل بالموجة أو الإشارة المحملة على موجة معينة، وللأسف هذه الموجة تدخل لك فى كل مكان (الحمام وغرفة النوم.. إلخ)، ما دام الموبايل موجوداً، وكلما اقترب منك الموبايل زاد ضرره، فإذا وضعته مثلاً فى الجيب العلوى بجوار القلب قد يسبب ضرراً.
هل تتفاوت الأجهزة المنزلية من حيث خطورتها وقدرتها على إنتاج التلوث الكهرومغناطيسى؟
- فيما مضى كان يمكن أن تترك الراديو والتليفزيون مفتوحين بدون خطورة، وإلى الآن لا يوجد فيهما خطورة، لأن الموجة الخاصة بهما طويلة جداً، فإذاعة الشرق الأوسط مثلاً طول الموجة الخاصة بها 200 متر، ويستحيل أن تُسبب لك ضرراً بيولوجياً، لكن الموجات القصيرة الجديدة هى التى تُسببب المشكلات، مثل الموجات المرتبطة مثلاً بـ«الميكروويف»، (واسمه يعنى الموجات القصيرة Micro wave) وهى موجات قوية جداً تدخل على الأكل بدلاً من النار فتُفتت الأكل، وهذه التقنية آمنة بالنسبة للطعام، لكن بالنسبة للمُحيطين يمكن مع سوء الاستعمال أن يحدث تسريب لهذه الموجات، خاصة أننا لدينا مشكلة فى الصيانة، ففى الوقت الذى لا بد فيه من إجراء صيانات دورية لكل شىء، فإننا نشترى الأجهزة ونتركها بدون صيانة بـالـ10 سنوات، ويعتمد حجم الضرر المتوقع هنا على وضع الميكروويف وما إذا كانت السيدة التى تتعامل معه حاملاً أم لا.
وماذا عن الأجهزة الأخرى التى قد ينبعث منها التلوث الكهرومغناطيسى؟
- إلى جانب الميكروويف، هناك الخلاط، والثلاجة، والغسالة، والبوتاجاز إذا كان به شواية تعمل بموتور، حيث إن التلوث الكهرومغناطيسى ينبعث من الأجهزة التى تعمل بالكهرباء وبها موتور، وتتولد منها طاقة، كما أن أى جهاز كهربى يستقبل إشارات مثل المحمول ينتج عنه تلوث كهرومغناطيسى.
ما العوامل الأخرى التى تتحكم فى خطورة هذا النوع من التلوث؟
- هناك شىء مهم وهو كمية التعرض أو كمية الجرعة التى نتعرض لها، وهناك تقسيمة أخرى تتعلق بالفئات التى يمكن أن تتعرض لخطر هذا التلوث أكثر من غيرها، فأكثر فئات تكون عُرضة لهذا النوع من التلوث الأطفال الصغار وكبار السن وطبعاً النساء الحوامل لأن فى بطونهن أجنة، وإذا ما تعرض الجنين لهذا النوع من التلوث لا يمكن أن تعرف ماذا يمكن أن يحدث له بالضبط، وهل ستحدث له طفرة جينية مثلاً. وبالإضافة لما سبق هناك عوامل أخرى مثل بعدك عن الجهاز.
وكيف يمكن منع أو الحد من الأضرار الناتجة عن التلوث الكهرومغناطيسى؟
- من خلال الاستخدام الأمثل والترشيد فى الاستخدام، فنحن على سبيل المثال يمكن أن نتكلم فى المحمول بدون أى ضرورة بالساعة والساعتين، ويجب أن نجعل الكلام فيه للضرورة فقط.
وطبعاً، كلما أبعدنا المحمول عنا يكون أفضل، ولو أغلقنا الموبايل ليلاً يكون أفضل وأفضل، والمفروض ألا يدخل غرفة النوم تماماً، لأنك قد تكون مُستلقياً وهو بجوار رأسك فيؤثر على أذنك ومخك، وأنت لا تعرف «الإشارة شغالة إزاى وفيها إيه ومتحملة على إيه؟». وفى المحمول يراعى زيادة نسبة الحماية أو السلامة فى الجهاز نفسه، وشراء الجهاز من التوكيل، وليس من مصادر مجهولة.
وبالنسبة للأجهزة المنزلية يراعى الحذر خلال عملية التشغيل، فليس من الضرورى أن نُشغل الميكروويف ونقف بجانبه أو ننظر له، فقد يسبب ذلك أذى للعين أو ضرراً فى معظم أجزاء الجسم.
ولا بد أن ننتبه أنه بالنسبة لربات البيوت اللاتى لا يعملن أو الرجال الكبار على المعاش ولا يعملون، فإن أقصى مدة يخرجون فيها قد تكون ساعتين وبعدها يرجعون للبيت، وفى المقابل فإنهم يقضون من 20 لـ22 ساعة داخل البيت وباب الشقة مقفول عليهم، وبالتالى كمية التعرض للتلوث الكهرومغناطيسى تكون كبيرة جداً، بدون أن ينتبهوا لذلك.
ما المصادر المختلفة للتلوث الكهرومغناطيسى؟
- الموجات الكهرومغناطيسية لها مصادر طبيعية ومصادر صناعية، وبالنسبة للمصادر الطبيعية فإن القشرة الأرضية عموماً لها مجال كهرومغناطيسى موجود منذ بدء الخليقة وللآن، ولكن قياساته صغيرة والمفروض أن جسم الإنسان معتاد عليها وليس لها آثار جانبية أو صحية ضارة. وبالنسبة لجسم الإنسان، يوجد به كهرباء، ومجال كهرومغناطيسى، ولكن بكميات صغيرة جداً بـ«الملى فولت»، و«الميكروفولت»، وكل ذلك يندرج تحت المصادر الطبيعية.
أما المصادر الصناعية فجاءت مع اختراع الكهرباء والأجهزة التى تعمل بها، حسب شدة التيار، والكهرباء لا بد أن يخرج عنها مجال كهرومغناطيسى، وذلك منذ اختراع الراديو والتليفزيون، وكل الأجهزة التى تعمل بالكهرباء، من المكواة للغسالة الأوتوماتيك والثلاجة ومجفف الشعر، وصولاً للأجهزة الكهربائية الأكثر تطورا، كالميكروويف والكمبيوتر والموبايلات. وأى أجهزة لها «فيشة» توضع فى الكهرباء يخرج عنها مجال كهرومغناطيسى، وحتى الأجهزة التى يتم شحنها بالكهرباء كالموبايل، وما دمنا ملاصقين لها نكون معرضين لمجال كهرومغناطيسى خارج منها، وهناك مجال كهرومغناطيسى تردده عالٍ، وآخر تردده منخفض، وموجات الراديو والتليفزيون غير موجات الموبايل، غير الكمبيوتر، غير خطوط الضغط العالى، والأخيرة تحمل كهرباء بضغط عالٍ بالكيلو والميجا فولت.
وماذا عن التأثيرات الصحية للمجالات الكهرومغناطيسية؟
- بالنسبة لخطوط الضغط العالى، مثلاً، أرجعوا لها حدوث سرطانات مثل سرطان المخ والدم، خصوصاً سرطان الدم فى الأطفال. أما بالنسبة للأجهزة الكهربائية ذات الموجات الطويلة، مثل الراديو، فقالوا إنها آمنة. وحديثاً يدور الكلام عن الأجهزة الكهربائية الموجودة فى البيت والموبايلات، والكمبيوترات، والعمل البحثى عليها كل يوم يخرج بشىء جديد.
والموبايلات حالياً هناك دراسات تُرجع إليها فرط الحركة والعصبية عند الأطفال، الذين من المفترض ألا يمسكوا الموبايلات كثيراً، أو بالأحرى لا يمسكوها مطلقاً، فالصحيح ألا يقتنى الطفل موبايل إلا عندنا يكون عمره 16 سنة على الأقل، وفى المقابل نرى أننا نعطى الموبايل لأطفال عمرهم عامان، ومن المفترض أن يُمنع الموبايل عن المرأة الحامل طوال شهور الحمل. وفى هذا السياق فقد وجدت دراسات أن السيدات اللاتى يعملن فى مجال الإلكترونيات (التلفزيونات والثلاجات وغيرها) لديهن مشاكل فى الحمل، وأطفالهن وزنهم قليل، ويُولدون قبل الميعاد، أما بالنسبة لأصحاب الأمراض المزمنة والكبار الذين لديهم مشاكل فى الجهاز العصبى.
وما التأثيرات السلبية التى تحدث تحديداً للجنين وأمه والطفل الأقل من 16 سنة؟
- الطفل الكبير والصغير إلى حد ما يمكن أن يعانى من فرط الحركة والعصبية الزائدة، وأحياناً يتحول لاكتئاب وقلق، وهى أعراض نلاحظها جميعاً لدى أطفالنا. وقد رصدت دراسات أعراضاً أخرى تحدث للكبار، كالصداع والاكتئاب والتوتر ومحاولات الانتحار، والميل للقىء وقلة الأكل عموماً، وغياب الشهية، والشعور المستمر بالتعب.
لكن لماذا تكون المشكلة أكبر مع الأطفال؟
- مشكلة الطفل الصغير أن أجزاء جسمه تكون غير مكتملة النمو بما فيها جهازه العصبى، ومن الممكن أن يصطاد التلوث الكهرومغناطيسى الخلايا غير مكتملة النمو ويؤثر عليها، خاصة أنها تكون حساسة أكثر من غيرها. أما بالنسبة للشخص البالغ فقد أصبح مكتمل النمو وخلاياه أقل حساسية ولديها قدرة على المقاومة.
وكيف تؤثر الموجات الكهرومغناطيسية تحديداً على الجسم؟
- هناك دراسات قالت إنها تعمل عن طريق التسخين heating effect، حيث تُحدث بعض السخونة فى الأنسجة، وسخونة فى المكان نتيجة التعرض للموجات الكهرومغناطيسية. وتأثير السخونة يمكن أن يكون سبباً فى كل المشاكل الصحية التى تحدث بعد ذلك.
وقد تم رصد وجود «حساسية للمجال الكهرومغناطيسى»، حيث هناك من قالوا إنهم عندما يمسكون الموبايل يشعرون بكهرباء فى أيديهم وتعب وإنهم لا ينامون جيداً ويشعرون بقلق أثناء النوم، وقد أفادت إحدى الدراسات بذلك، وأشارت لإمكانية الإصابة بقلق فى النوم وإحساس بالتعب مستمر وألم فى الجسم.
لكن يقال إن هناك دراسات فى المقابل تنفى وجود تأثيرات سلبية للمجال الكهرومغناطيسى؟
- هناك دراسات تنفى، وأخرى تؤكد، ولا بد أن نعرض الرأى والرأى الآخر، لكن مجرد وجود نسبة شك يستدعى منا الاحتياط والحذر، وكما يقولون فالوقاية خير من العلاج.
كبار السن والحوامل
بالنسبة لى كمتخصص فى كيمياء تلوث الهواء أقول لك إن هناك تأثيراً.. لكن الذى يدرس طبيعة ونوع هذا التأثير بالضبط هو الطبيب، وهناك «نمذجة حسابية» وعلم واسع يدرس ذلك، ويمكن للمتخصصين فى الطب البيئى أن يتحدثوا بالتفصيل عن هذه التأثيرات وآثارها الجانبية.