الأزهر مؤسسة فوق الرقابة والمحاسبة رغماً عن تقارير «المركزى للمحاسبات»
شيخ الأزهر خلال اجتماع سابق ببيت الزكاة «صورة أرشيفية»
تخوض الدولة حرباً شعواء فى مواجهة الفساد أينما كان، ورغم الجهود الجبّارة التى تبذلها لإخضاع جميع الجهات للرقابة، وعدم التستّر على الفساد داخل أىٍّ من المؤسسات والجهات، حتى السيادية منها، وصولاً إلى المحليات ومجالس الأحياء والبلديات، يظل الأزهر، جزيرة منعزلة لا تخضع لرقيب أو حسيب، بعد أن منحه الدستور والقانون «مشيخة وشيخاً» سلطات مطلقة غير محدودة، لم تكن حتى فى يد رأس الأمة ونبيها، محمد، صلى الله عليه وسلم، الذى كان يراجعه بعض الصحابة، ومن أشهر تلك الوقائع التى تحكيها كتب السيرة، عندما احتد عليه أحد السائلين، قائلاً: «يا محمد أعطنى من مال الله وليس مال أبيك وأمك»، وهو ما قبله النبى، ومنع الصحابة من إيذائه، لأنه لم يكن يرغب فى تكريس سلطة دينية، وإنما حكم رشيد يقبل الحساب والنقد، وهو ما لا يرضى به الأزهر الآن.
مصادر: تقرير الجهاز رصد مخالفات بالملايين فى أعمال المقاولات وتشييد المعاهد الأزهرية ومكافآت دون مبرر.. و«دينية النواب»: ننتظر رداً من المشيخة
انتهت لجنة الشئون الدينية، بمجلس النواب، منذ أسبوعين، من مناقشة تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات عن نتائج الرقابة المالية على وحدات الجهاز الإدارى للدولة عن الفترة من أول يوليو 2015، حتى آخر يونيو 2016، الخاص بالأزهر والمناطق الأزهرية، إلا أنها حتى الآن ما زالت فى انتظار رد الأزهر على تقرير «المركزى للمحاسبات» لإعداد تقريرها بشأن ما ورد فيه.
ووفقاً لمصادر مطلعة، أشار تقرير «المركزى للمحاسبات» بشأن الأزهر، إلى أن هناك مكافآت وبدلات خاصة تم صرفها وتحمّلتها موازنة الدولة دون مبرّر، كما لم تُجرَ تسويات ضريبية للعاملين، فضلاً عن أزمات فى عقود الأعمال والتوريدات، وفساد تقدّر فاتورته بالملايين يتعلق بأعمال المقاولات والبناء للمعاهد الأزهرية والمبانى الجامعية، إضافة إلى ضعف الرقابة داخل المشيخة وعدم إحكام الرقابة على الإعانات الإنشائية المقرّرة للمعاهد المنفّذة بالجهود الذاتية. وأشار التقرير إلى حوادث تلاعب وتزوير واختلاسات، ورصد مظاهر ضعف الرقابة الداخلية، وعدم إحكام الرقابة على بعض التجهيزات المدرسية الواردة كتبرع لبعض المعاهد.
من جانبه، قال النائب عمر حمروش، أمين سر اللجنة الدينية بالبرلمان، لـ«الوطن»: إن اللجنة الدينية سألت مشيخة الأزهر عن حقيقة الفساد المالى الذى ورد فى تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، وموقف الأزهر منه ورده عليه، بعد أن ناقشت اللجنة التقرير، مضيفاً: «لا توجد مؤسسة فوق الدستور، وسيكون لنا موقف بعد تلقى ردهم على ما جاء فيه».
وقال النائب خالد شعبان، القيادى بتكتل «25/ 30» البرلمانى: إن مجلس النواب سينظر تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات المتعلقة بالأزهر، وسيتّخذ فى شأنه ما يشاء حسب رؤية اللجان النوعية، مضيفاً: «على لجنة الشئون الدينية أن تبحث التقرير جيداً وتدرك أنها أمام تقرير لا يحمل أى أهواء أو مطامع شخصية، ولا بد من إحالة ما جاء فيه من مخالفات وإدانات إلى النيابة العامة، لأنه لا يوجد شخص فوق القانون والدستور».
وقال عبدالغنى هندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن تقرير «المركزى للمحاسبات» الخاص بالأزهر لم ترد المشيخة على ما جاء فيه حتى الآن، مضيفاً: «لا بد أن تخرج علينا بردود رسمية على ملاحظات (المركزى)، فلا توجد مؤسسة فوق القانون، ولا توجد شخصيات أعلى من الدستور، فالرئيس عبدالفتاح السيسى، أكد أكثر من مرة أنه لا تستر على فاسد أو مرتشٍ، وعلينا أن نبدأ بأنفسنا بالتطهير من الداخل».
وأضاف «هندى»: «صندوق الزكاة والصدقات فى المشيخة، لا يخضع للجهاز المركزى للمحاسبات، وفقاً للائحة الخاصة به، وهو أمر يثير التساؤلات، فلا أحد خارج دائرة مسئولية الدولة، بداية من رئيس الجمهورية نفسه حتى أصغر مسئول، فنحن نحتاج إلى تطبيق القانون وإحالة المخالفات إلى النائب العام، لأن عهد التستر على الفساد انتهى».
وتابع: «الأزهر يحتاج إلى هيكلة داخلية، وقدّمت رؤية متكاملة فى هذا الشأن من قبل إلى رئاسة الجمهورية وقيادات الدولة، منهم الدكتور كمال الجنزورى، مستشار رئيس الجمهورية، وأنا أتعجب كيف لا توجد وسائل لتنقية المطبوعات المتداولة والمكتوبة منذ القدم، وكيف لم يتم مراجعة مواقف 6 آلاف معيد، تم تعيينهم أيام الإخوان، فأزمة المشيخة الحقيقية أنها تحتاج إلى هيكلة وإعادة نظر، وأتعجب ممن يتحدث حول قوانين تنظيم المهنة أو تنظيم الخطاب، ولا نتحدث عن قانون الأزهر الذى يتم ترقيعه أكثر من مرة، فهناك أمور كثيرة يجب إضافتها إلى القانون».
وقال الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى: «إذا كان الأزهر يعترض على محاسبة من يرتكب تلك الجرائم، ويرفض التحقيق فى هذه المسائل القانونية، فهو موقف غير مقبول منهم، فلا يستطيع هؤلاء إنكار ما ذكره الجهاز المركزى، حتى إذا كان هذا الكلام بالنفى، فعلى الأزهر أن ينفى تلك التهم بالتحقيق فيها، وحجتهم بأن البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر، مردود عليها، وفقاً للتقرير الرسمى، فهذه الوقائع تستند إلى معلومات، والمطلوب الآن التحقيق فيها».
واستطرد «حجازى»: «حينما يرفض الأزهر التحقيق، فهذا يثير تساؤلات كثيرة، فالقول إن الذين يعملون فيه ملائكة لا يقعون فى أخطاء كلام غير مقبول، لأن البشر جميعاً معرّضون للوقوع فى الخطأ ورأينا أسماء كبيرة تعمل فى وظائف حساسة بالدولة، لكنها وقعت فى أخطاء، كما حدث مع الأمين العام الراحل لمجلس الدولة، لذا أرى أن رفض الأزهر فتح تحقيق داخلى يؤكد أنه يتعامل من منظور أنه سلطة مطلقة ودولة داخل الدولة».
وأشار «حجازى» إلى أن الأزهر وقع فى أخطاء لا تُغتفر، خصوصاً فى خصوماته مع مفكريه والكتاب والمثقفين، فأصبح يحارب حرية التفكير ويجعل نفسه خصماً، ويقدم المختلفين معه ومنتقديه إلى المحاكمات لينتهى الأمر بسجنهم. وفى المقابل، تراجع عن دوره وواجبه والتكليفات التى طالب بها رئيس الجمهورية قبل سنتين بضرورة تجديد الخطاب الدينى.
وتابع «حجازى» أطالب الأزهر باتخاذ منهج جديد، وأن يتصالح مع الدولة المدنية ويبتعد عن وضع نفسه سلطة فوق السلطة، ويكتفى بأن يكون معهداً علمياً، وأن يُطبّق عملياً ما أعلنه الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر من أنه لا يحتكر الرأى، ولا يصادر حق المثقفين وحرية التعبير.
وقال حسين القاضى، الباحث فى الشئون الدينية، إن الفساد الإدارى والمالى والمحسوبية والمجاملات فى التعيينات ملأ السمع والبصر داخل الأزهر والأوقاف، مضيفاً: «على المشيخة إبعاد كل قيادى فى أى هيئة من مؤسسة الأزهر العريقة إذا تورط فى محسوبية أو فساد لحساب شخص أو قريب، وهو المدخل الذى تقفز منه التيارات المنحرفة لتشويه صورة الأزهر وإبطال مرجعيته فى القضايا الفكرية».