آل مكى والاستقلال.. أوراق محروقة
لم يتخيل القضاة الموالون للإخوان سقوط النظام بهذه السرعة، فبعد عام خاصموا فيه جموع القضاة والثوار وأبناء الشعب، لإرضاء السلطة الجديدة، إذا بهم يخسرون كل شىء، مناصبهم الموعودة ووظائفهم، وسمعتهم أيضاً.
وأصبح هؤلاء ما بين مهدد بالعزل، ومعتزل فى منزله إراديا خشية أن يرى وجهه أحد، ومناكف يحاول العودة إلى منصة القضاء، كأن شيئا من نزاهته لم ينجرح، فيما لا يزال بعضهم يمعن فى خطيئته، ويصر على اقتراف السياسة، بالانضمام لمعسكر المعتصمين فى رابعة، على أمل عودة المعزول ونظامه.[SecondImage]
تحطمت آمال «قضاة الإخوان» على صخرة ثورة 30 يونيو، وعلى رأسهم المستشار محمود مكى نائب الرئيس المعزول، الذى آثر الجلوس فى منزله، قبل أن يقرر ما يفعل، حيث لم يعد يقوى على مقابلة زملائه من قضاة محكمة النقض، بعد الانتهاكات التى ارتكبتها الرئاسة ضد القضاة، أثناء توليه منصبه، وبدلا من الوقوف فى وجه المعتدى على القضاء، ظل يدافع ويتبرأ من معرفته بالإعلان الدستورى، ردا لجميل الإخوان الذين تظاهروا دفاعا عنه فى أزمة 2006، التى روجت لأكذوبة تيار الاستقلال، التى تساقطت مع انحياز أعضاء هذا التيار السافر إلى جانب الإخوان، ضد استقلال القضاء بمجرد أن أجلسوهم إلى جوارهم فى السلطة.
أما شقيقه الأكبر المستشار أحمد مكى وزير العدل السابق، فخسر هو الآخر تاريخا طويلا، إرضاء للإخوان، الذين قال عنهم أثناء وجوده فى منصبه «أنا مش إخوان لكن الانضمام للإخوان شرف»، ثم تدخل من أجلهم لإزاحة المستشار عبدالمجيد محمود من منصب النائب العام، تحت غطاء تعيينه سفيرا لمصر فى الفاتيكان، وإن أبدى بصفته وزيرا للعدل اعتراضه على الإعلان الدستورى الذى أقال النائب العام وحصن قرارات مرسى، ومجلس الشورى والجمعية التأسيسية، ولكنه لم يقل ذلك رسميا، ولم يتخذ إجراء يحفظ له ماء الوجه أمام تلاميذه من القضاة، وعندما حاول مكى متأخرا الوقوف فى وجه تمرير قانون السلطة القضائية، خرجت مظاهرات الإخوان تطالب بتطهير القضاء وإقالته، الأمر الذى دفعه إلى تقديم استقالته والإصرار عليها، بعدما اكتشف أنه فشل فى إرضاء القضاة والإخوان.
استحوذ المستشار طلعت عبدالله، النائب العام المعزول، على نصيب الأسد من سخط القضاة والثوار والشعب، بسبب إصراره على البقاء فى منصب يعلم يقينا بحكم تكوينه القضائى أنه غير شرعى، إلا أنه استخدم كل ما أوتى من قوة للتمسك بالمنصب، ابتداء من إنهاء ندب بعض المحامين العامين بالنيابة العامة، حيث أنهى ندب المستشار عادل السعيد النائب العام المساعد، وهشام الدرندلى رئيس مكتب التعاون الدولى، والمستشار تامر الفرجانى المحامى العام لنيابة أمن الدولة العليا، وعين محامين عامين ينفذون أوامره بصفته نائب عام النظام الجديد، ولم يكتف طلعت بذلك، بل تراجع عن تقديم استقالته بحجة إكراهه على تقديمها، وأقدم على رد دائرة طلبات رجال القضاء أملا فى تأخير تسليم الصيغة التنفيذية لحكم بطلان تعيينه إلى سلفه وخصمه «عبدالمجيد»، ما اعتبره القضاة سابقة تاريخية.
رفض طلعت كل مناشدات شيوخ القضاة وأعضاء النيابة العامة للرحيل عن منصبه، مدعوما بتطمينات الرئاسة وقيادات الإخوان بأنه باق مهما حدث، ناسيا ما تسبب فيه ذلك من إهدار سمعة النيابة، حتى أصبح الناس يصفون وكلاءها بـ«وكلاء المرشد»، لكنه أصر على البقاء واستعان بأعضاء حركة «قضاة من أجل مصر» الموالية للإخوان، فى تولى مناصب مهمة فى النيابة منهم المستشار أيمن الوردانى، الذى عينه محاميا عاما لنيابات استئناف طنطا، ليصدر قرار إحالة الناشط أحمد دومة إلى المحاكمة، وكذلك المستشار مصطفى دويدار المتحدث باسم النيابة، والمستشار أسامة عبدالرؤوف يوسف محاميا عاما لنيابات شرق الإسكندرية، ولكن خرج طلعت من مكتبه بكل حسرة، بعدما قضت محكمة النقض ببطلان تعيينه، ولم يجد وقتها أحدا من قيادات الإخوان بجواره، ليعود إلى منصة القضاء بمحكمة استئناف طنطا.
المستشار حسن النجار رئيس نادى قضاة الشرقية الذى عينه مرسى محافظا للشرقية كأول محافظ فى نظام الإخوان، واجه نفس المصير، بمنصب لم يدم طويلا، وانتهى نهاية مخزية.[ThirdImage]
واختلف الحال كثيرا بالنسبة للمستشار وليد شرابى رئيس حركة قضاة من أجل مصر، وبقية أعضاء الحركة التى ظهر للجميع أنها تنتمى لتنظيم الإخوان، بترددهم على مكتب الإرشاد بالمقطم أو بحضور ندواتهم واجتماعاتهم، فضلا عن الدفاع عنهم، وأخيراً التظاهر والاعتصام بميدان رابعة العدوية، لكن الإخوان وقفوا بجوار «شرابى» بكل قوة حيث اضطر وزير العدل إلى إنهاء ندبه من مكتبه الفنى لعضويته فى جبهة الضمير، لتسارع الجماعة بندبه مستشارا لوزير المالية المنتمى لها، وعقب سقوط مرسى قرر الذهاب بصحبة أعضاء الحركة إلى رابعة العدوية، وحرض الشعب على الاقتتال دفاعا عن الشرعية، أملا فى عودة نظام الإخوان.
أصبح شرابى بذلك الخاسر الأكبر بين القضاة المؤيدين للإخوان، فالقضاة بدأوا ملاحقته وأعضاء الحركة لدى قطاع التفتيش ومجلس القضاء الأعلى، لإحالتهم للصلاحية من ناحية، وملاحقتهم جنائيا من ناحية أخرى، بسبب تحريضهم على العنف والاقتتال ومواجهة القوات المسلحة.
يصف المستشار محمد عبدالرازق رئيس اللجنة الدائمة للدفاع عن القضاة وأعضاء النيابة العامة، القضاة الذين ارتموا فى حضن تنظيم الإخوان ودافعوا عنه بـ«التائهين»، الذين ينطبق عليهم قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «فَإِنَّ المُنبَتَّ لاَ أَرْضاً قَطَعَ وَلاَ ظَهْراً أَبْقَى». ويضيف عبدالرازق، موجها كلامه لهؤلاء القضاة: ما بالكم الآن، وقد اعترف الإخوان بجرائمهم من قتل وسفك دماء أبناء الشعب والاستعانة بإرهابيين أجانب، لمحاربة القوات المسلحة والشرطة، ما تعرفونه جيدا أنه خيانة وتخابر وتجسس؟»، ويتابع: راجعوا أنفسكم قبل أن تطلبوا العودة إلى صفوف حماة العدالة، فكيف تنظرون فى عيون زملائكم ممن نكلتم بهم لإرضاء الحاكم، وكذلك فى عيون المحامين والمواطنين؟ لذلك لا تعودوا أكرم لكم.
ويقول عبدالرازق إن التاريخ لا يرحم، وكل قاض من هؤلاء كتب بنفسه تاريخه، ولكنهم اختاروا الكتابة فى هامش صفحات التاريخ، وابتعدوا عن صفحاته البيضاء، فما قاموا به لن ينسى إرضاء لرغبات الحاكم والانخراط فى أعمال السياسة، فنكلوا بزملائهم واتخذوا إجراءات غير طبيعية ضد الثوار والمعارضين، واشتركوا وشاركوا الإخوان فى مؤتمراتهم واجتماعاتهم، مؤكدا أن ذلك كله ثابت بالأدلة والمستندات والفيديو والصور، ما يفقدهم شرف الجلوس على منصة القضاء مرة أخرى.
ويشير عبدالرازق إلى أن بعضهم لم يكتف بذلك، بل ذهب وتظاهر واعتصم وسط من لا يحق للقضاة مخالطتهم من سيئى السمعة والمشبوهين، فضلا عن التحريض على اقتتال الشعب ومحاربة القوات المسلحة.
أخبار متعلقة:
الرابحون والخاسرون بعد سقوط «مرسى»
القضاة.. انتصار «العدالة»
«تمرد».. البطل الشعبى
«الأزهر».. «يا جبل ما يهزك ريح»
الكنيسة.. تربح «الدولة المدنية»
الإعلام.. النجاة من سيف الاغتيال
«الأحزاب الدينية».. نهاية التاريخ
«الأوقاف».. تخلع عباءة «الوسطية» وتسلم نفسها لـ«الإرشاد»
القنوات الدينية.. البقاء لله