يتقربون منها، يتوددون إليها، يقبلون حتى قدميها لترضى عنهم. وإن رضيت.. يُدخلونها إلى «بيت الطاعة»، يفرغون بداخلها «شهوة» الشهرة والجنوح إلى السلطة. وإن فرغوا وجنحوا.. انهالوا عليها بـ«ضربات» عُقَدهم النفسية، و«ركلات» الاحتجاج على سلوكياتها «المشينة» التى تطلق عليها «حرية». وإن ضربوا وركلوا وأهانوا.. أفرغوا عليها التهديدات والاتهامات بـ«سوء السير والسلوك». وإن لم تعد عن غيها القديم فى البحث عن حريتها المزعومة.. جهزوا لها المئات من «شهود الزور» ليثبتوا عليها جرائمها الأخلاقية، تمهيداً لإقامة الحد.
إنها العلاقة الأزلية بين الصحافة والسلطة فى كل البلاد والأنظمة المتخلفة. يطلقون عليها «صاحبة الجلالة».. ويريدونها صاحبة فى السر، يمنحونها «السلطة الرابعة».. ويحيلونها -على أرض الواقع- إلى «السلطة الراكعة»، يستخدمونها سلماً للصعود.. ويضربونها على أم رأسها -بالسلم نفسه- بعد الوصول إلى غايتهم.
دعنى أولاً أتسلح ببعض من شجاعة، وأعترف لك «من الداخل» أن الصحافة كـ«رسالة» تحولت -فى معظمها- إلى «عمالة».. تقدم خدماتها لمن يقدر على الدفع وفرض السيطرة، وكـ«مهنة» أصبحت -أحياناً- مهنة من لا مهنة له.. وبتعبير أحد شيوخ المهنة: المهنة «لمت»، وكـ«بحث عن الحقيقة» استخدمت -دون تعميم- أقلامها لطمس معالم الحقيقة أو تغييرها لأخذ القارئ فى الاتجاه المطلوب إثباته، وكـ«مصنع للموهوبين والمفكرين».. يكفيك لتنضم إليه «واسطة معتبرة» أو يكون لديك قريب من الساكنين على بلاطها لتسكن أنت الآخر إلى جواره واضعاً «رجل على رجل»، ولتذهب المواهب إلى «جحيم» البطالة، وليذهب الفكر والمفكرون إلى «جنة» الخيال العلمى.
ها أنا اعترفت لك بـ«أسرار البيت»، فدعنى أستغيث بوعيك للمساعدة فى إنقاذ بيت المهنة التى يمكنها أن تصنع الفارق، وتضع ثورتك -إن أردت لها اكتمالاً- على طريق التقدم، وأحيطك علماً بأن تلك المهنة تتعرض لهجمتين فى منتهى الشراسة، وكلاهما أخطر من الأخرى.
الأولى: سلطة جديدة تسير على خطى القديمة -بطريقة مختلفة- لإعادة «تدجين» الصحافة بـ«معايير هزلية». معايير تخيط الجرح على قروحه الشديدة، وتقول لصاحبها «لقد تعافيت.. قم وادخل إلى السباق»، ليجد نفسه -بعد قليل من الزمن- خارج السباق، ومعرضاً للبتر بالكامل من جسد الإعلام. تلك هى أزمة تعيين قيادات الصحف القومية التى تضم بداخلها الكفاءات.. ومَن هم على استعداد دائم لتنفيذ المخططات.
الثانية: هجوم «جاهلى» على الصحفيين من منابر الدين.. والدين منهم برىء، يرفعون سيوف «الحق» ليدافعوا عن «الباطل»، يطالبون بـ«قطع أيدى وألسنة سحرة فرعون» لتعبث أيديهم وألسنتهم فى عقول يريدونها مظلمة على الدوام، يتهمون «أهل الباطل بمحاولة إحراق الوطن» وكأنهم «أهل الحق الذين يطفئون الحرائق برزاز أفواههم الرطبة». تلك أزمة الهجوم «السلفى - الإخوانى» على الصحفيين، الذين يرونهم -وإن راوغوا- أعداء للدين.. والوطن.