الفخار السوهاجي يرفض الاندثار.. طلب على «الزبدية» شتاءً و«الزير» صيفاً
صناعة الفخار
«لن تتعب كثيراً في البحث عن «عزبة الفخار»، داخل مركز المنشاة في محافظة سوهاج، حيث يمكنك أن تجدها بسهولة نظراً لسحب الدخان التي تملأ سماء القرية، ويمكن ملاحظتها من على بعد عدة كيلومترات.
عند الوصول إلى القرية المعروفة بصناعة الفخار، تجد الفخارين، الذين يتجاوز عددهم 100 شخص، يعملون في أكثر من 15 ورشة فخار، وقد تجمعوا حول الترعة، في قرية «الدويرات»، حيث يشغل كل منهم قطعة أرض على جانب الترعة، بنى عليها دولاب الفخار، وفرن الحرق، أو كما يطلق عليها «فاخورة»، ووضع منتجاته أمامه بعناية، مفتخراً بإنجازه.
«حسين» عاشق لصناعة الفخار منذ 10 سنوات
تجده بينهم بملامح سمراء وملابس لاتتضح ألوانها من الطمي، الشاب «حسين»، البالغ من العمر 25 عاماً، يعمل في إنتاج الفخار منذ 10 سنوات، عرف الشاب عن نفسه قائلاً: «فخراني بتاع فخار، ورثتها عن أجدادي، ومكمل فيها، بأشكل الطين وبأرسمه، بأحسه بيتحرك ويكلمني».
مراحل صناعة الفخار من الطمي حتى الحرق
روى «حسين» مراحل صناعة الفخار قائلاً: «الفخار متوارث من مئات السنين، معرفش كام سنة، لكن الجدود فيه من زمان»، وتابع بقوله: «بنجيب الطين من الجبل، وبنخلطه بطين الترعة والزرع في بركة طين، بيفضل فيها يومين يتخمر، بعدها بنملك العجين، يعني بنضربه في بعض، ونحطه على الدولاب ونلف برجلينا»، واعتبر أن رجله ويده هما رأسماله الحقيقي في هذه الصنعة، وقال: «وأنا بلف الطين، بأكون مقرر هعمل إيه، كل حاجة ولها كمية طين، بعد تشكيلها بنسيبها في الشمس يومين خلال الصيف، وفي الشتاء 6 أيام.
تحول الدخان الأسود دليل نضج الفخار
بعدها تحرق في الفاخورة لمدة نصف يوم، لما تتحول النار من أحمر إلى دخان أسود، يبقى الفخار استوى، أطفئ الفاخورة، وأسيبها يوم تبرد وكدا الفخار استوى، وجاهز للبيع.
وعن أسعار الفخار، أضاف «حسين» أنه يبدأ بـ5 جنيهات، و«زبدية» صغيرة بـ5 جنيهات، والزير بـ25 جنيهاً، وقدوس الحمام بـ15 جنيه، والبرامج ومحور اللبن بأسعار 10 جنيهات، ومحدش في البلد والبلاد اللي حوالينا يقدر يستغني عن حاجه منهم.
الفخار لن يندثر وسيظل الطلب عليه
وعن مخاوف اندثار الفخار، أوضح «حسين» أنه من الصعب أن يختفي الفخار، وقال: «اللي مأكلش بالزبدية، يبقى مأكلش، ومياه الزير دواء وعلاج، ساقعة طبيعي من غير كهرباء، وتشربها ترويك»، وتابع بقوله: «هنفضل نعمل فخار، وهتفضل الناس تشتري، حتى لوسعره زاد، فيه ناس كتير من المدينة بتيجي تطلبه تطبخ فيه، لأنه صحي وميحلاش الطبخ غير فيه، اللحمة والتقلية لهم طعم تاني فيه، وتُفضل الزبدية بالشتاء سخنة قدامك، كأنها لسة على النار.
«الزبدية» فخار الشتاء و«الزير» فخار الصيف
وعن يوم «حسين» روي أنه في الصيف اليوم طويل بنبدأ بعد الظهر عجن وتشكيل على الدولاب للمغرب أو العشاء وبيطلب الزير فيه كتير عشان الميه وكله بيشرب منها والفخار يومين ويكون شد ويتحرق، لكن الشتاء نهاره قصير وملوش بركة بنبأ شغل 10 الصبح ومبنلحقش نخلص وبيطلب فيه زبديات كتير عشان الطبخ، والفخار بيطول فيه بيفضل الأسبوع المشمس.
وأضاف «حسين» أن استخدامات الفخار حالياً، هي نفس استخداماته منذ أن بدأ العمل في هذه الحرفة قبل أكثر من 10 سنوات، «الزبدية» للطبيخ، و«الزير» للمياه، وأضاف أن «القدوس» لتربية الحمام والماجور للبن والبرام للحمة، لكن الزبدية كانت بتتحرق بالعسل الأسود، بعد الفرن علشان تشد وتعيش أكثر، دلوقتي بتتلون وتدهن زجاج عشان تلمع.
الفخار منذ ما قبل الأسرات حتى الآن
يذكر أن الفخار يرجع لعصر ما قبل الأسرات، حيث كان يزخرف بعدة أشكال، منها الحيوانية أو النباتية، ولكنه كان عبارة عن تشكيل طيني يترك بالشمس فقط ليجف، وصولاً للأسرة الرابعة، التي بدأ بها استخدام الأواني الفخارية في الحياة اليومية، حتى عرف حرق الفخار بالأسرة الخامسة، ليصبح بشكله المعروف به الآن، ليكمل الفنان السوهاجي صناعه الأجداد، مضيفاً زخارفه وطابعه الخاص عليها، رافضاً التخلي عن مهنه أجداده.