محمد الأبنودي يكتب :«نحن.. ووسائل التواصل الحديثة»
الكاتب الصحفي محمد الأبنودي رئيس تحرير جريدة «عقيدتي»
بعد التقدم المذهل في وسائل الاتصال الحديثة، أصبح العالم اليوم أشبه بقرية صغيرة متجاورة المساكن، كل جار يعرف تفاصيل حياة جاره، يعرف كل شاردة وواردة عن حياته الخاصة والعامة، ولكن الفرق الوحيد أن عالم القرية متحاب، مترابط، ومتجانس، أما عالم التكنولوجيا والاتصالات والذى نسميه بـ«التواصل الاجتماعي» فقد جعل حياتنا أشبه بقرية صامتة، كل فرد فيها يتابع أخبار الآخرين، ولكن دون حوار فأخبار العالم تنتقل إلينا على الهواء مباشرة، ونحن جالسون في أماكننا متكئون، وما نراه من تقدم علمي مذهل يؤكد الكثير من الحقائق التي كان ينكرها المنكرون، وهي أن مقاييس الزمن أصبحت مختلفة على ما كانت عليه، فما كان يصلنا في أيام طويلة بل في شهور أصبح يصلنا على الهواء مباشرة، ولكن المخيف من هذا الغزو الفكري الرهيب أنه جعل الإنسان يلهث وراء كل جديد، ولا يشعر بالشبع، ولا الارتواء العقلي أو الروحي، فهو لا يستطيع أن يتابع موضوعاً أكثر من دقائق معدودة ويلهث بعدها وراء غيره لعله يجد المزيد من الإثارة والمتعة وهو بذلك يقضى وقتاً طويلاً من يومه في متابعة مبتورة لا طائل من وراءها سوى المزيد من التوتر العصبي الذي أصبح سمة من سمات العصر.
وإذا كان ما سبق هو الجانب الإيجابي في صراعات ثورة الاتصالات، فالجانب المدمر هو ما يثبت لمخاطبة الشهوة والغريزة، وما أكثره وأرخصه، ولكن مع الأسف فإن هذا الجانب يقدم بأساليب مشوقة أعلن الشيطان عجزه الشديد عن محاكاتها لأن تلك الأساليب قادرة على جذب كل الفئات والتأثير في ضفاف العقيدة والإيمان ومن أهم نتائج هذا الغزو السلبية، أن الفرد يألف المعصية فقد تعود على مشاهدة ذلك، واعتادت الأذن سماع ذلك، فأصبحت المعاصي مألوفة ولا مجال لرفضها أو إنكارها لأنها أصبحت جزء من الحياة اليومية.
وأيضًا من هذه الكوارث تدمير وقت الإنسان الذي يعد المادة الخام للحياة، وسوف يسأل عنه يوم القيامة، فلا سبيل أمام مواجهة هذا الطوفان الجارف في وسائل الاتصال الحديثة والتي لا بد منها إلا بتقوى الله سبحانه وتعالى والتفكير في اليوم الآخر، يوم نقف بين يدى الله تشهد علينا حواسنا التي سخرها الله لنا والتي سخرناها نحن لحصد المعاصي والآثام.
وختاماً: قال تعالى ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا. أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِم وَلِقَآئِهِ فَحَبِطَت أَعمَٰلُهُم فَلَا نُقِيمُ لَهُم يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ وَزنًا.﴾ (سورة الْكَهْفِ: «١٠٣-١٠٥»).
مقال الكاتب الصحفي محمد الأبنودي، رئيس تحرير جريدة «عقيدتي» في العدد الجديد للجريدة.