والد «البغدادى»: قال لى «أنا جاى بكرة».. فرجع فى كفنه
محمد البغدادى
جدران لم تعرف الطلاء، وبين جنباتها منزل يندر فيه الأثاث، الأرضية مفروشة ببعض الأغطية، على الحائط صور الشهيد، كزينة وحيدة للمنزل، يعلو صوت قطار الإسماعيلية، تظهر من الشرفة محطة قرية الفدائية التابعة لمدينة القصاصين، حيث يرتفع عليها اسم الشهيد محمد البغدادى شهيد مذبحة رفح الأولى.
يجلس الحاج محمود حسن، والد محمد، على أرضية المنزل بوجهه الأسمر، وجلبابه الأبيض، يسترجع اليوم الذى صعدت فيه روح نجله «محمد» لبارئها، فيما اعتبره تكريماً إلهياً: «أى حد فى الدنيا يتمنى إنه يكون ليه ابن شهيد»، ويقول إن نجله منذ صغره وهو يحلم بالالتحاق بالقوات المسلحة، حيث تقدم للتطوع بالجيش قبل تجنيده بشهور، ولكن داهمهم موعد التجنيد قبل أن تعلن القوات المسلحة المقبولين من المتطوعين.
التحق «محمد» بقوات حرس الحدود، فى مدينة رفح الحدودية بسيناء، قضى عشرة أشهر فى سيناء قبل استشهاده، داخل نقطة أمنية فى الماسورة، كما يروى والده، وكان دائماً يخرج للمرور داخل المناطق الحدودية، واجه الكثير من المهربين على الحدود، يقول محمود إن نجله لم يكن يزعجه سوى محاولة المهربين على الحدود استمالته للتعاون معهم لتسهيل مهمتهم فى التهريب، ولكنه كان دائماً يرفض: لم يكن يشكو حسب والده من الحياة فى سيناء، بل كان دائماً سعيداً أنه يقضى فترة تجنيده على نفس الأرض التى شربت من دماء شهداء أكتوبر.
يضع محمود صورة نجله الشهيد، إلى جانبه، ويتذكر قبل الحادث بيومين حين هاتفه «محمد» ليطمئن على أشقائه ووالده، أخبره بأنه سيأتى لزيارتهم بعد يومين: «ما كدبش فى كلامه، رجع بعدها بيومين، ولكن فى كفنه»، يتمالك الرجل نفسه، يحبس الدموع داخل عينيه، ويقول: «إن كل بيت فى مصر فيه شهيد هو فيه عيد وفرح.. إحنا مش زعلانين على اللى راح، لأن اللى راح فداء الوطن». لم يكن اتصال محمد بوالده هو الاتصال الوحيد، يروى الأب أن ابنه هاتف أصدقاءه المقربين فى المصنع الذى كان يعمل به قبل الذهاب للجيش، ودعهم جميعاً، حسب رواية والده، الذى يؤمن أن «البغدادى» كان لديه شعور بأن النهاية قريبة.
خرج محمود يومها إلى عمله فى إحدى شركات القطاع الخاصة، ولكن شعوره ببعض التعب أرغمه على العودة من الطريق، ليعود أدراجه نحو المنزل، استمع لأخبار ما يحدث فى سيناء، والمذبحة التى حدثت للجنود، كان يتابع الأخبار لم يكن يدور بخلده أن نجله من الشهداء الذين سقطوا، حتى هاتفه قائد فى الجيش ليخبره بأن نجله استشهد فى سيناء، يشعر الرجل برضا لما أصابه، بل يعتبر ما حدث لابنه ليس بالبلاء ولكن: «كرم كبير»، يداوم على قول: «الحمد لله الحمد لله».