أحمد رفعت يرصد: وقائع ما جرى ضد المصريين السنوات السابقة ودواعى الالتفاف حول الدولة لهزيمته
أحمد رفعت
هل تريد أن تعرف أهمية مواجهة ما يجرى ضد مصر؟
هل تريد أن تعرف عزيزى القارئ أهمية تحذيرات الرئيس السيسى؟
هل تريد أن تعرف الأعباء الملقاة على كاهل الدولة والأجهزة الآن بعد استفاقة كبرى واستنهاض للهمم لم يسبق له مثيل منذ أربعين عاماً تقريباً؟
هل تريد أن تعرف حجم المخطط وبالتالى حجم المواجهة المطلوبة؟
إذن، اقرأ معنا السطور التالية وتأكد أن المواجهة بدأت للتصدى لكل ذلك لكن قد كان منطقياً أن نستكمل الحديث عن خطوات وآليات تحويل أى بلد إلى بلد فاشل أو «دولة فاشلة»، كما تحدثنا الحلقة السابقة وقررنا تأجيل الحديث عن حركة الشر على شبكات التواصل الاجتماعى لنشرح أولاً فى تشريح أمين ما تم ضد مصر حيث لا يوجد مخطط بلا خطوات ولا توجد خطة بلا أدوات.
وللأسف يعمل مخطط «إفشال الدولة» على محاور متعددة بما يشكل عبئاً على الدولة وتحتاج لبذل جهد كبير لمواجهته يعمل على المحاور نفسها وربما أكثر.. فربما لا يصدق أحد ما قاله «يورى بيزمانوف»، رجل المخابرات السوفيتى السابق عن دور المخابرات فى هدم الدول وإفشالها عندما قال إن العمل يتم على عدة محاور أولها المحور الفكرى الذى يشمل الدين والإعلام والتعليم والثقافة، وهذا المحور يتم استهدافه لتشويهه كله وإحداث إرباك فيه بحيث يتم تفريغه من مضمونه فلا تعليم حقيقى يقدم علماً حقيقياً ولا تربية دينية صحيحة تعلم الناس قيم الحق والخير والعدل والتسامح ولا ثقافة الشعب الأصيلة والأصلية كما هى بل تم استهدافها بثقافة غريبة ووافدة، ولا الإعلام يؤدى دوره كما ينبغى!
بينما أكد «بيزمانوف» أن المحور الثانى هو البنيوى، وفيه يتم استهداف القانون والنظام والعلاقات الاجتماعية والأمن والأحوال الداخلية، وفيه يتم تعمد إهدار قيم الانضباط والالتزام بالقانون والتشريعات وتصبح غير ذات قيمة ولا معنى لها ويتم محاولة التقليل من شأن الجيش والشرطة عند الناس وتحويل علاقات المواطنين إلى علاقات مصالح تخلو من أى حميمية أو تعاون!
استهداف المجتمع المصرى فى قيمه وتعليمه وإعلامه وثقافته واقتصاده وفنه وشبابه يفضح حجم المخطط الشيطانى ضد مصر.. والوعى بما جرى أولى خطوات الانتصار فى معركة محاولة إفشال الدولة المصرية
بينما المحور الثالث هو «الحياة العامة»، وفيه يتم استهداف قيم العائلة والأسرة والصحة والأعراق المختلفة والسكان والعمل، بحيث تتوارى قيم الترابط والدفع بمشاكل عرقية وطائفية وتصديرها للمجتمع وازدراء قيمة العمل والتقليل من شأنه وإبراز قيم الشطارة والفهلوة والحظ والهجرة أو السفر للخارج!
المدهش أن مجتمعنا خلال الأربعين عاماً الماضية عانى من كل ذلك، علماً أن «يورى بيزمانوف» ترك الخدمة فى المخابرات السوفيتية عام 1970، أى إن هذه المخططات معروفة منذ سنوات طويلة، وطبعاً المخابرات السوفيتية لم تستخدم ذلك ضد مصر، إنما نسترشد بأفكار دولة صديقة يعترف أحد عملائها بممارسته ضد دول أخرى!
وفى مصر لا نعرف تحديداً كيف ومتى تحولت قيم العمل وأنه شرف وواجب وحياة حتى إنها كانت تكتب لإرشاد التلاميذ والطلبة على جدران المدارس وعلى أغلفة الكراسات والكتب واختفت فجأة وحلت محلها قيم أخرى غريبة عن مجتمعنا مثل «اللى تغلب به العب به»، و«معاك قرش تسوى قرش»، ومصطلحات السوق مثل «الأرنب» و«الأستك» و«الباكو»، وغيرها.. ولا نعرف أيضاً كيف حدث التحول الكبير فى سلوك المأكل والمشرب عند المصريين الذى تحول من اعتبار الأكل فى المنازل بوجود العائلة كلها أمراً مقدساً لكنه تحول إلى الوجبات السريعة وأغلبها أجنبى رغم إدراك الجميع لأضرارها إلا أن دور الدعاية والتبشير بالحياة الغربية كان أقوى من كل شىء!
ولا نعرف متى وكيف تغير سلوك القرية المصرية من تجمعات منتجة إلى مستهلكة ومن النوم المبكر والاستيقاظ فجراً إلى النوم فجراً مع أطباق الأقمار الصناعية وإهمال الأرض بل والبناء عليها وتركها كلية والسفر للخارج بعد أن كانت «الأرض عرض»، قدمت السينما وقدم المسرح وقدمت الأساطير الشعبية عنها عشرات الروايات والقصص والحواديت!
ولا نعرف لماذا ألغيت المؤسسة العامة للسينما فى منتصف السبعينات التى قدمت أروع أفلام السينما المصرية بما فيها التى تنتقد السلطة ثم نعيش عقداً أو عقدين كاملين من الزمان تحت رحمة ما أطلق عليه «أفلام المقاولات» التى أسهمت فى نشر القيم السلبية المشار إليها ولم تقدم ما ينفع الناس كما قدمت السينما من قبل «الأيدى الناعمة» وإبراز قيمة العمل وعدم الاعتماد على الانتماء لطبقة أو مال، كما قدمت «إحنا التلامذة» والتحذير من الانشغال عن الأبناء، كما قدمت «ميرامار» وتنبيه السلطة إلى المنافقين والانتهازيين الموجودين فى كل عهد وكل نظام!
ولا يعرف أحد أسباب إلغاء مادة التربية القومية من مناهج التعليم ولا سبباً لتوارى اسم الوزارة نفسها من «التربية والتعليم» إلى «التعليم» فقط ثم تراجع دور الوزارة نفسها فى تربية الأجيال، فتم إلغاء الحضور والانصراف ومصادرة حق تأديب التلاميذ وتجريد المدرسة والمعلمين من ذلك وتم إقرار التعليم من المنازل وتم السماح بلا ضوابط للتعليم الخاص فى الدخول على خط التعليم ليفتح الباب واسعاً لالتحاق أبناء طبقة معينة بكليات القمة طالما يملكون المقابل؛ فضربت قيمة العدل وتكافؤ الفرص فى مقتل!
ولا نعرف كيف تحولت الوظائف العليا إلى أماكن محتكرة لمن يملكون المال والنفوذ دون أى اعتبار للتفوق أو للسمعة رغم أن العديد من هذه الوظائف والآلاف ممن ينتمون إليها التحقوا بها فى عهود سابقة بمعايير التفوق والسيرة الحسنة بلا أى استناد لا على سلطة ولا على مال أو طبقة وقدموا أداءً وظيفياً رائعاً ومتميزاً مثلوا فيها وظائفهم وهيئاتهم أفضل تمثيل!
ولم يتوقف الأمر عند وظائف المجتمع المرموقة بل إن وظائف الصف الثانى أيضاً تم احتكارها للصف الثانى من الطبقة العليا أيضاً حتى بات من المستحيل لأبناء البسطاء المتفوقين الحصول على أى وظيفة فى مجالات البنوك أو الضرائب أو الكهرباء أو البترول فصارت هذه الأماكن بمؤسساتها معادلاً موضوعياً طبقياً أطلق رصاصاته على بقية فئات المجتمع فى غفلة، على الأقل من الجميع!
ولا نعرف متى وكيف ولماذا تم التربص بالأعياد الوطنية كلها.. فأصبحنا لا نحتفل لا بعيد النصر ولا بعيد الجلاء، واختفت الأغانى الحماسية التى تعبئ مشاعر الناس وتدفع إلى تدفق دماء الوطنية فى عروقهم رغم أن كلها أعياد ومناسبات تخص مصر وشعبها قدموا من أجلها تضحيات غالية جداً قدمها الأجداد والآباء ولا تخص حاكماً بعينه!
ولا نعرف متى وكيف ولماذا انعكس كل ذلك على الفن فتراجع دوره وأصبح أغلب رموزه يتحدثون بلغة العصر وهى «لغة المال» فصار المكسب المعيار الأول وليس الموضوع ولا القيمة، ومع التمثيل سارت الأغنية فأصبحت سريعة قصيرة تحاكى الحياة وإيقاعها السريع لكن لم يلتفت أحد لما تدعو إليه من مفاهيم وتم تمرير سلبيات عديدة فيها بينما مؤسسات المجتمع المعنية تتفرج بل صار المسئولون عنها جزءاً من المشكلة بعد استقطابهم من شركات الإنتاج الضخمة فعملوا كغيرهم فى وظائف أخرى مستشارين بأجور مرتفعة!
المشاهد السابقة كلها عند وضعها بجانب بعضها تعطى صورة مكتملة عن المجتمع الذى خطط الأعداء لتدميره، خصوصاً أن كل الأسباب السابقة أدت إلى النتائج التى نعانى منها اليوم: إحباط عند فئات من الشباب تم شراء أعداد منهم للعمل ضد وطنهم وفرت لهم المال والعمل ومنهم من يسعى باستمرار إلى الهجرة ومنهم من انحرف للجريمة ومنهم من وقع فريسة للتطرف.. تسبب الظلم الاجتماعى للأغلبية فى إحباط عام انعكس سلباً على المجتمع كله، كما تراجعت القوى الناعمة المصرية، فتراجعت الدراما التى استهدفت فى ذاتها لتسهم فى تفكيك المجتمع وتشويه الأسرة المصرية والحض على الرذيلة والترويج للبذاءة والإسفاف والانحطاط فى الموضوعات والأقوال والإشارات والتخديم على قيم دخيلة كالحياة بلا زواج مثلاً بين الشباب وفيما لم تعرفه مصر من قبل ولا تريد ولا ينبغى أن تعرفه!
فى حين تراجعت السينما وانخفض الإنتاج السينمائى وتراجعت الأغنية حتى باتت دول صغيرة تتصدر الأغنية العربية وإنتاجها وأسهم ذلك كله فى تراجع دور مصر فى محيطها وبالتالى تراجع قيمة المنتج المصرى ليس فى السلع فقط إنما فى قيمة الشهادة من جامعات مصرية وحاملها!
كل ما سبق جرى فى المجتمع المصرى.. وكما نلاحظ لم نتحدث فيه عما جرى فى الاقتصاد.. وكيف شاهدنا فساداً لا مثيل له ونهباً منظماً للمال العام والبنوك وكيف بيعت ثروة المصريين فى الخصخصة بأبخس الأثمان واستشرت الرشوة بشكل واسع... والباقى يعرفه المصريون وعاشوه من قصص احتكار والاستحواذ واستغلال النفوذ!
كل ما سبق مبررات كافية ومهمة للتوحد والاحتشاد خلف الدولة المصرية.. التى تحاول الآن استعادة المبادرة فى ملفات عديدة أهمها القوى الناعمة كما تتصدى بحزم للفساد خصوصاً فى قطاعات الدولة وجهازها الإدارى والقطاع العام الذى تسترده الدولة وتضخ العمل والحياة به وتستنهض الهمة عند المصريين لاسترداد ثقتهم بأنفسهم من خلال مشروعات كبرى ومهمة اقترب وقت قطافها.. وفى وقت تراجع فيه الدولة مناهج التعليم ودوره وتسترجع الدولة الاهتمام بالمناسبات الوطنية ولا يخفى على أحد الإشارة التى قدمها الرئيس السيسى بالاحتفال بعد انقطاع طويل بعيد النصر وزيارته لبورسعيد وتكريمه لأبطال المقاومة الشعبية وفدائيى القناة بعد تجاهل طويل وتقديم النماذج المتفوقة فى كل المجالات فى مؤتمرات الشباب وهى كلها خطوات تستحق الالتفاف حولها وحول القائمين بها.. لكن أهميتها الآن أبرز بعد أن قدمنا صورة تشريحية لما جرى ضدنا السنوات الأربعين السابقة!
الحلقة المقبلة «الوعى بالآليات والوسائل».