مترجمون: ترجمة الكتب الإسرائيلية ضرورة لتحصين أجيالنا ضد العدو وليست حباً فيها.. والحرب اليوم «فكرية وثقافية»
أحد الكتب المترجمة من العبرية مؤخراً
أكد مترجمون أن أقسام اللغات العبرية فى 13 جامعة مصرية تُخرّج آلاف الطلبة سنوياً، ما يعنى الفصل بين العلم والموقف السياسى من إسرائيل، لافتين إلى ضرورة التصدى للترجمة عن العبرية مباشرة حتى لا تفقد النصوص جزءاً من قيمتها، وليتمكن المترجم من النقل المباشر والرد على ما ورد بها، والاطلاع على ثقافة العدو الإسرائيلى، ومواجهة فكره وثقافته، فيما اختلف آخرون حول آليات الترجمة والجهات المنوط بها القيام بالمهمة، ونوعية النصوص ذات الأولوية.
من جانبه، قال الدكتور جمال الشاذلى، أستاذ اللغة العبرية وآدابها فى كلية الآداب بجامعة القاهرة: «نرفض التعامل مع إسرائيل، لكن هناك ضرورة للترجمة من العبرية مباشرة، ليس حباً فى هذه اللغة، إنما الانغلاق ليس له مكان، والحرب فى ظل السماوات المفتوحة أصبحت حرباً فكرية وثقافية، وهى من أخطر الحروب، ومن يستطيع السيطرة يمكنه التوجيه، ومن هنا يجب أن نكون على استعداد للمواجهة الفكرية والثقافية، فهم يعيشون على وهم إسرائيل الكبرى، وهدفنا الأكبر تحصين الأجيال من ذلك العدو، فهى عدونا الأول والأخير، ومسعاها هو تفتيت الدول العربية المحيطة».
جمال الشاذلى: إسرائيل تكتب وتترجم عن اللغة العربية مئات الإصدارات شهرياً.. والترجمة عن العبرية تحتاج لمتخصص فى الشأن الإسرائيلى
وأكد «الشاذلى» ضرورة عدم اقتصار الترجمة على مجرد النقل الحرفى، بل ترفق بتعليقات تفند المزاعم الواردة فى الأصل العبرى، فإسرائيل توظف كل ما تكتبه أدبياً وسياسياً وتاريخياً لخدمة أهدافها، وتأتى خطورة ذلك من أن المعلومات المشوهة تدخل فى الثقافة والمراجع الأوروبية، محذراً من إشكاليات النقل من لغة أوروبية وسيطة، قائلاً: «المترجم الأوروبى ينقل الترجمة كما هى، فهو غير متخصص وليس على دراية كافية بالتوجهات الإسرائيلية، والترجمة عن العبرية تحتاج إلى متخصص فى الشأن الإسرائيلى، ومتقن للغة».
وأشار إلى دور وزارة الثقافة فى التصدى لهذه المهمة، وأنها ليست مسئولية الناشر الخاص، فاللغة الوحيدة المتوقفة فى الترجمة لدى المركز القومى للترجمة هى اللغة العبرية، لأن الأمر يتطلب الحصول على حقوق الملكية الفكرية من الناشر أو المؤلف، وهو ما يتجنبه المركز، لافتاً إلى حل آخر اقترحه على رئيس المركز، وهو الحصول على موافقة الموزع خارج إسرائيل، لأن الكتب الأصلية موجودة فى أوروبا وأمريكا بالعبرية، والترجمة من لغة وسيطة تُفقد النص 50% من قيمته، مشيراً إلى أن حساسية القضية تضع المركز فى حرج.
وتابع «الشاذلى»: «لا يجب التعامل مع الموضوع بهذه الحساسية، فالصهاينة يعرفون عنا كل كبيرة وصغيرة، ويُكتب ويُترجم عن اللغة العربية مئات الكتب شهرياً، والأخطر أنه داخل إسرائيل يوجد معهد اسمه (ترجمة الأدب العبرى)، يترجم الكتب العبرية بكل اللغات بما فيها العربية، ويدخل إلينا عبر الأردن ولبنان، فنحن أولى منه باختيار ما يتم ترجمته، وكمتخصصين ندرك خطورة الأمر، لكن غير المتخصصين لا يمكنهم التحقق بسهولة، وبعض هذه الكتب نجدها فى سور الأزبكية، وهى كتب تروج للمزاعم الإسرائيلية، ودورنا الدفاع عن الدولة المصرية والإسلام الوسطى».
عمرو زكريا: عدد الترجمات الجادة عن العبرية "قليل جداً".. وبعض دور النشر تركز على كتب بلا قيمة.. و"نعيم": الخوف من ترجمة ثقافة الآخر بلا مبرر
وعن أبرز الموضوعات التى نحتاج إلى ترجمتها، قال: «تلك المتعلقة بالمجتمع والسياسة الإسرائيلية، إضافة للأدب العبرى لأنه أدب موجّه لخدمة أهداف معينة، ونحن لا نبالغ إذا قلنا إن الأدب العبرى لعب دوراً فى إقامة دولة إسرائيل لأنه روّج لمفاهيم دولة اليهود، وما يسمى بدولة إسرائيل».
من جهته، يعتبر الدكتور عمرو زكريا، رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية بجامعة الأزهر سابقاً، أن الترجمة عن العبرية ليست تطبيعاً، ويتساءل: «المترجمون ينقلون الكثير من الأخبار من وسائل الإعلام الإسرائيلية، فهل يعنى ذلك أنهم مطبّعون؟»، ويضيف: «الحضارات قامت على الترجمة، والترجمة مهمة لمعرفة خطوات الآخر تجاهنا»، واصفاً كلمة تطبيع بأنها «مطاطية».
يقول: «التطبيع هو عمل دعاية للطرف الآخر، ورسمياً ليس لدينا مشكلة مع إسرائيل، فهناك تمثيل دبلوماسى بين الطرفين، ونحن نبالغ أكثر من الفلسطينين أنفسهم، فالرئيس الفلسطينى يعترف بإسرائيل، وحركة حماس شبه معترفة بها أيضاً، والمترجم يفصل بين السياسى والثقافى لهدفين، الرغبة فى معرفة ماذا تكتب إسرائيل عنا، وتعريف شعوبنا بالطريقة التى يفكر ويعمل بها هؤلاء الناس فى مختلف المجالات».
وأضاف «زكريا»: «ترجمت 22 كتاباً عن العبرية إلى الآن، وليست مختارة بشكل عشوائى، بل نتبع الأسلوب العلمى القائم على مبدأ الفصل بين العاطفى والثقافى، وأتابع كل ما يدور داخل المجتمع الإسرائيلى، مع مراعاة أن يكون مؤلف الكتاب أكاديمياً أو محل ثقة من الناحية البحثية، وأستبعد الكتب التى تطرح موضوعات لا تشغلنا، أو التى تثير بلبلة، مثل المتعلقة بالأديان والإلحاد، وعند ترجمة كتاب عبرى أحتاج إلى رد من جهة مصرية، وأستعين بهذه الجهة للرد على مضمون الكتاب ضمن مقدمة خاصة، ولذلك تراجعت عن ترجمة كتاب (الملاك) الذى يتناول قصة أشرف مروان».
وعن الآلية، أوضح أن الترجمة من الأصل أفضل بكثير، لذلك يُرسل «إيميل» للمؤلف لاستئذانه بترجمة كتابه، ولا يتم دفع مقابل للمؤلف أو دار النشر، ويتابع: «فى إسرائيل أغلب حقوق النشر والترجمة محفوظة للمؤلف لا دار النشر، وعدد الترجمات الجادة عن العبرية قليل جداً، وهناك بعض دور النشر تركز على كتب بعينها مثل (برتوكولات حكماء صهيون)، والتى ليس لها علاقة باليهود، وليس لها قيمة فكرية».
ولفت «زكريا» إلى أنه ليس كل مترجم مؤهلاً للتصدى للترجمة، فالبعض يترجم فى منطقة «بين السرايات»، مطالباً بوجود جهة رقابية متخصصة لهذه المهمة، والأفضل أن يتولى المركز القومى للترجمة المهمة، واعتماد آلية مغايرة بديلاً عن الكتب التى يختارها للترجمة بشرط ألا تكون لها حقوق ملكية فكرية، فعليه الحصول على الموافقات من السفارة المصرية فى إسرائيل، ويقول: «المركز لديه أفضل المترجمين فى مختلف اللغات، كما أن كثيراً من خريجى العبرية بلا عمل، فدور النشر الخاصة تترجم أى إصدار لا قيمة له من الناحية الثقافية أو الأكاديمية، وأعتقد أنه من الضرورى التوسع فى المراكز المتخصصة فى الشأن الإسرائيلى، خاصة أنه يوجد لدينا قسم للغة العبرية فى كل كلية آداب أو ألسن فى مصر، ولا أعرف ما الوظيفة التى سيعمل بها خريجو هذه الأقسام».
وتحدّث عن تجربة ترجمته كتاب «ألف ليلة وليلة دوت كوم»، الصادر هناك فى 2011، لمؤلف اسمه «جاكى حوجى»، إسرائيلى متخصص فى الشئون العربية، قائلاً: «الكتاب عن العرب، والمؤلف استعان بما نُشر فى الصحافة العربية، وتنبأ بسقوط نظام مبارك، واتهمونى بالتطبيع مع إسرائيل عند طرحه فى معرض الكتاب 2016، وكتبت بعض المواقع الإخبارية -بدون فهم- أنه أول كتاب إسرائيلى فى مصر، وهذا ليس حقيقياً، فالكتاب مصرى مترجم وصادر عن دار نشر مصرية، وخرج وزير الثقافة آنذاك حلمى النمنم ليدافع عن الكتاب بعد أن وصل الأمر إلى طلب استجواب فى مجلس الشعب».
من جانبه، يقول الكاتب والمترجم محمد نعيم، إنه أصدر كتاب «رجل السادات فى الموساد» عن مؤسسة أخبار اليوم فى 2016، وعرض بتصرف كتاب «جهاد السادات» الذى كتبه ضابط المخابرات الإسرائيلى المتقاعد «شيمون ميندس»، ويُعتبر رداً مصرياً على كتاب «الملاك»، حيث يضم اعترافات جنرال إسرائيلى عن أشرف مروان، يضيف: «فنّدت مزاعم ما ورد فى كتاب (الملاك) بكتاب الضابط الإسرائيلى الذى يرد ويكشف مدى زيف ما ورد فى كتاب (الملاك)، وهذا الكتاب تم منعه فى إسرائيل، لأنه يقول إن أشرف مروان كان عميلاً لمصر».
وعن سر اختيار الكتاب، قال «نعيم»: «لدينا مشكلة الخوف من الترجمة بلا مبرر، ويجب علينا الإقلاع عن حالة الجهل والقلق من الترجمة، فنقل ثقافة الآخر هدف مهم، ولكن ليس بشكل عشوائى، والمترجم عن العبرية يجب أن يحدد ما يترجمه وما يحجم عنه، فالترجمة يلزمها وعى، والمفروض أن تتولاها المؤسسات جميعها وليس المركز القومى للترجمة وحده».
ويتابع: «كثيرون يعرفون اللغة العبرية، لكن القليل يعرف التدقيق فى الترجمة بما يخدم الهدف منها، فليس كل ما يقوله الآخر صالح للنقل، وأنا كمترجم علىّ رقابة، بل أرى ضرورة تأهيل المترجمين سياسياً وقومياً ولغوياً قبل ترجمة ونشر أى مواد للجمهور، وذلك من خلال جهات متخصصة بالدولة أو النقابات، فالتدقيق فى الترجمة مهم، وإسرائيل تسعى إلى دفعنا لترجمة ما يخدم أهدافها ومشروعاتها، لكن علينا ألأ نخضع لرغباتها، فهى تزرع فيما تكتبه ألغام وملفات المشاريع الصامتة التى تسعى من ورائها لأهداف سياسية بعيدة المدى، ومن خلال الأعمال الأدبية أيضاً، وما يهم إسرائيل هو التصالح مع الشعوب أكثر من التصالح مع الحكومات، لذلك اخترت هذا الكتاب الذى يرد على افتراءات كتاب (الملاك)».