البرلس.. هجرة قسرية بسبب ندرة الأسماك ومزارع أصحاب النفوذ
بعض الصيادين يستعدون للصيد
يموتون كمداً أو غرقاً خلال رحلة البحث عن أرزاقهم، يواجهون المجهول فى المياه الإقليمية سواء فى الدول الأوروبية أو العربية، يأملون فى النجاة والعودة من رحلتهم بما يسد رمق أطفالهم، بعدما شَحّت الأسماك فى بحيرة البرلس على الرغم من التطوير الكبير الذى شهدته خلال السنوات القليلة الماضية، سواء من تطهير بملايين الجنيهات، أو تنفيذ حملات بشكل مستمر لضبط المخالفين، إلا أن تلك الإجراءات لم تمنع الصيد الجائر أو إلقاء مخلفات الصرف الصحى والزراعى داخل البحيرة، الأمر الذى يجعلهم أكثر عُرضة للسجن خارج الحدود، فضلاً عن أملهم فى أن تنتهى رحلاتهم للخارج وأن يستقروا داخل بلدهم مع توفير مصدر رزق داخل البحيرة لهم.
أحمد سمير مصطفى، البالغ من العمر 35 عاماً، لا يعرف منذ نعومة أظافره سوى حرفة «الصيد»، فهو الابن الأكبر لصياد أفنى عمره داخل البحر وبحيرة البرلس، حُرم من استكمال تعليمه من أجل تعلم المهنة، وأتقنها حتى صار من كبارها رغم صغر سنه، إلا أنه وجد فى الهجرة إلى الخارج مُنقذاً لأحلامه وتوفير نفقات صغاره وتعليمهم، فأيقن أنه لا سبيل لتحقيق ذلك سوى الخروج فى رحلات الصيد عبر مراكب كبيرة، فكانت الدول العربية وجهته، إلا أنه يواجه العديد من المشاكل خلال الرحلة التى تستغرق شهراً أو أكثر، من بينها الظروف الجوية الصعبة التى تواجههم خلال عملهم، ما يؤدى لشحوط «المراكب» داخل المياه الإقليمية للدول وتكون النهاية أما القبض عليهم أو غرق مراكبهم، وفقاً له.
يقول «أحمد» لـ«الوطن»: «كنت أخرج مع والدى للصيد فى بحيرة البرلس منذ كان عمرى السابعة، وتعلمت حتى المرحلة الإعدادية ثم خرجت لمساعدته فى الإنفاق على الأسرة، علمنى الصيد بمهارة، وتركنى أواجه الحياة، تزوجت ورُزقت بـ3 أطفال لكننى لم أجد فى بحيرة البرلس أملاً فى توفير حياة كريمة لهم، وتعهدت أمام نفسى وزوجتى ألا أترك أطفالى يواجهون نفس مصيرى المجهول، فتركت الصيد بالبحيرة وعملت فى المزارع السمكية الخاصة، لكننى لم أوفر أموالاً فقلت إن الحل فى السفر على متن المراكب الكبيرة للدول العربية، مثل «اليمن، تونس، السعودية، ليبيا، اليونان»، وبدأت أولى رحلاتى لكنها كانت الأصعب، حين تم القبض علينا فى تونس إثر شحوط مركبنا، ذُقت مرارة السجن لنحو 40 يوماً، وعدنا بلا شىء، فالأسماك أُخذت منا، ولكننى لم أستسلم فكررت المحاولات كثيراً حتى أتقنت الرحلات للخارج»، ويضيف: «ندرة الأسماك ببحيرة البرلس هى الدافع الذى جعلنا نهاجر، فالبحيرة شهدت على مدار سنوات كثيرة تعديات وتجفيفاً، فضلاً عن صيد الزريعة المخالف، وعدم وجود آليات لتطوير المهنة، لكننا نكون ضحايا لأشياء كثيرة، أولها عدم عقد اتفاقيات مع دول الجوار للسماح بالصيد، فضلاً عن ارتفاع أسعار الوقود واحتجاز المركب وتعرضنا لإقامة دعاوى قضائية علينا فى الدول المختلفة، نضطر أحياناً للمكوث فى هذه الدول بعد الإفراج عنا بسبب احتجاز مراكبنا، وكل أملنا أن تعود بحيرة البرلس لسابق عهدها، خالية من التعديات ومياهها نقية تسع آلاف الصيادين، وأن يتم القضاء على سرقة الزريعة». «محمد عطية» 27 عاماً، صياد من البرلس، يرى أن أهم أسباب هروب الصيادين إلى خارج مصر بحثاً عن أرزاقهم، هو هروب الأسماك، وصيد الزريعة، وانتشار المزارع السمكية داخل وخارج بحيرة البرلس، وانتشار اللنشات التى تعمل بمحركات، وتوقف التطهير لفترات طويلة، بالإضافة إلى عدم تغليظ عقوبات الصيد الجائر والمخالفات على الرغم من وجود قانون يُناقش فى البرلمان لتغليظ العقوبات، فضلاً عن عدم تفعيل جهاز G.P.S مجدداً للحفاظ على حدود البحيرة وإزالة الحوش والسدود.
وأوضح أن كبار الصيادين أساس ندرة الأسماك، اعتدوا على البحيرة وبنوا مزارع سمكية داخلها، ويصطادون الزريعة عن طريق اللنشات الكبيرة، التى لا يمتلكها الصياد الصغير، وعادة ما يتم ضبط تلك اللنشات إلا أن أصحابها يدفعون غرامة ويعودون لممارسة أعمالهم الخارجة: «طيب ما هو الصياد الكبير مش هتكسره الغرامة الكبيرة هيدفع ويطلع ويمارس الصيد المحرم مرة تانية».
ويشير حسن شرابى، 31 عاماً، صياد، إلى أن ارتفاع أسعار الوقود ومستلزمات الصيد خارج الحدود أصبح سبباً فى هجرة البعض المهنة تماماً، بعدما ضاق به الحال داخل وخارج البحيرة: «أصبحنا نبحث عن مصدر رزق آخر، فأنا أفنيت نحو 10 أعوام فى السفر للصيد خارج الحدود، رأيت فيهم ما لم أكن أتوقع، سُجنت مرتين فى مالطا واليونان، خلال رحلات صيد، وفى الداخل حينما أخرج للصيد فى البحيرة، أعود بـ100جنيه فى اليوم، لا تكفى لسد احتياجات أسرتى المكونة من 4 أفراد، فاتجهت للعمل فى تصنيع المراكب لعلنى أجد رزقاً وفيراً يكفى احتياجات أسرتى».
التعديات والصيد الجائر يهددان 140 ألف صياد
محمد شرابى، نقيب الصيادين بالبرلس، لفت إلى أن البحيرة ما زالت تعانى من بعض المخالفات والتعديات، منها صيد الزريعة المخالفة، رغم إنشاء قسم لشرطة المسطحات واستمرار حملاته، وعدم استئناف عمليات التطهير، وأن الصيد المخالف قضى على نحو 140 ألف صياد، فالصياد هجر المهنة، بالإضافة إلى تقليص مساحة البحيرة خلال السنوات الماضية، وإنشاء مزارع سمكية خاصة بأصحاب النفوذ مما أدى لتشريد آلاف الصيادين، وأشار إلى أن الإنتاج المحلى يكفى كثيراً لكننا أصبحنا نُصدر الأسماك كما يحدث فى مشروع غليون، والبحيرة ستعود لسابق عهدها حينما ينتهى التجريف والصيد الجائر، وارتفاع ناتج الصيد، واستحداث أنواع جديدة من الأسماك، مشيراً إلى أنه لا بد من رصد وتتبع الملوثات والتعديات ومراقبة التغيرات بكافة أنواعها، لتنمية الثروة السمكية وتطوير وحماية المصائد، وسرعة الانتهاء من عمل إحداثيات الـ«GBS» الجديدة، التى تستهدف كافة التعديات وسرعة إزالتها.
"الثروة السمكية": التطوير أعاد البحيرة لسابق عهدها.. والهيئة ضخت زريعة طبيعية
من جهته، أكد المهندس ثابت السويفى، رئيس هيئة الثروة السمكية بكفر الشيخ، أنه جار استكمال تطوير البحيرة، وأن الرئيس السيسى يولى اهتماماً خاصاً بالبحيرة، لافتاً إلى بناء بحر فاصل بين حدود البحيرة وملكية الأهالى وإضافة نحو 20 ألف فدان مُعتدى عليها من قبل الأهالى، والغرض من إنشائه الحفاظ على المسطح المائى للبحيرة، وتجميع صرف المزارع المحيطة بالبحيرة وعدم صرفها مباشرة داخل البحيرة لمنع الترسبات والتلوث، فضلاً عن سحب المياه العذبة من البركة الغربية وضخها فى بوغاز البرلس، ما يعمل على دخول أعداد كبيرة من زريعة الأسماك بالمياه المالحة إلى داخل البحيرة من ناحية الجهة الغربية، وتقليل المياه العذبة بها والقضاء على النباتات المائية وورد النيل، والحشائش.