أسوان: «العلاقى» و«السيالة» و«وادى حيمر».. ثلاثية المرور إلى السودان
شهدت محافظة أسوان، بوابة مصر الجنوبية، خلال السنوات الأخيرة، حالة من الانفلات الأمنى، ساعدت على انتشار تهريب السلاح والبشر والمخدرات والأسماك، وغيرها من المواد التى يتم تهريبها من مصر للسودان والعكس، وزاد نشاط المهربين بشكل ملحوظ بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وعقب ثورة 30 يونيو زاد نشاطهم فى تهريب الخارجين عن القانون، وعلى رأسهم قيادات جماعة الإخوان الإرهابية وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسى، حيث هرب العشرات من القيادات إلى السودان، وتمكنت قوات حرس الحدود ورجال الأمن من ضبط بعضهم أثناء سلوكهم الدروب الجبلية والأودية الصحراوية التابعة لوادى العلاقى، الذى يعد أحد الطرق السرية الرئيسية للتهريب وتسلل الخارجين عن القانون للمحافظة ولمصر بصفة عامة.
يقع وادى العلاقى على بعد 180 كيلومتراً جنوب شرق أسوان من ناحية بحيرة ناصر، ويمتد الوادى نحو 275 كيلومتراً باتجاه جنوب شرق شمال غرب، بمتوسط عرض نحو كيلومتر، وغالبية سكانه من أبناء قبيلتى العبابدة والبشارية، بالإضافة إلى العرب الرحَّل الذين يرتحلون بجمالهم وإبلهم من مكان لمكان، وهى منطقة بها العديد من الدروب والأودية الصحراوية، التى تمتد لمئات الكيلومترات. والوادى عبارة عن نهر جاف كبير كان ينبع من تلال البحر الأحمر، ولكنه بعد بناء السد العالى وامتلاء بحيرة ناصر بالمياه فى عام 1967، دخلت إليه المياه وأصبح جزءاً من البحيرة، ثم انحسرت المياه عن جزء كبير من الوادى نتيجة انخفاض منسوب المياه بالبحيرة فى السنوات الأخيرة.
«انتشار عمليات التهريب بطريقة كبيرة لفتت الأنظار نحو أسوان»، ردد محمد حسانى، رئيس مدينة العلاقى الأسبق، متابعاً أن «وادى العلاقى من أشد الأماكن خطورة فى مصر، فهو وادٍ متشعب ومترامى الأطراف، ولكن يسيطر عليه رجال قوات حرس الحدود والمخابرات، بالتعاون مع مكتب شئون القبائل، ولا بد عند دخول وادى العلاقى من وجود تصاريح لكل من فيه سواء كانوا مواطنين، والذين لا يتجاوزون الـ5 آلاف مواطن من سكان قرية العلاقى من العبابدة والبشارية، وتتميز هذه القبائل بالحفاظ على العادات والتقاليد الخاصة بهم، التى يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، فالرعى وبيع الماشية والأغنام والإبل وبيع الفحم من أهم أعمالهم التى يتكسبون منها، ومنهم أيضاً من يعمل فى المناجم والمحاجر المنتشرة بطريق وادى العلاقى، وأبناء العبابدة والبشارية يتركزون دائماً فى الجزء الأسفل من الوادى والمجاور لبحيرة ناصر، لتوافر المياه والموارد الطبيعية التى تساعدهم على الرعى - أو العرب الذين يرتحلون بدوابهم فى المنطقة من أجل الرعى، وكذلك أيضاً بعض العاملين بالتعدين من أصحاب المحاجر والعاملين فيها، فيأخذون تصاريح شهرية بالدخول إلى مناطقهم التى يتم تحديدها بالكيلومتر، ومن يتجاوز المسموح به يتم ضبطه وتقديمه للمحاكمة العسكرية، فهناك ضبط شديد لدرجة أن العاملين والسيارات الخاصة بمجلس المدينة يحصلون على تصريح كل 3 أشهر، ويتم تقديمه عند الكمين الأول الذى يبعد نحو 10 كيلومترات جنوب مدينة أسوان».
ويضيف «حسانى»: «هناك أودية كثيرة تابعة وتمر بوادى العلاقى، ومنها الترجمة ومنطقة أبوسكو والمحرقة والسيالة ودهميت ووادى حيمر ومنطقة أم عشيرة، وكل هذه المناطق لها حدود معينة لا يجوز أن يتم تجاوزها، ولكن هناك البعض ينجح فى ذلك من خلال (الدليل)، وهو من رجال القبائل الذين يعلمون من خلال خبرتهم بكل صغيرة وكبيرة داخل الجبال والأودية الصحراوية التى تمتد من الجنوب بطول نحو 350 كيلومتراً، لتصل حتى مدينة دراو شمالاً أو قرية العدوة شرق بمدينة إدفو، شمال المحافظة»، وأعرب عن أمنيته بوجود تماسك بين الجميع سواء أبناء القبائل أو رجال القوات المسلحة من رجال حرس الحدود، لضبط جميع الخارجين عن القانون من المهربين الذين يستطيعون تهريب جميع ما هو ممنوع ومحرم من خلال هذه الطرق.
وقال جمال البشارى، أحد أبناء قبيلة البشارية ومن المترددين على منطقة وادى العلاقى: «إن البعد الشاسع والمكان الجبلى الوعر بوادى العلاقى جعلاه ملاذاً كبيراً لمن يريد التهريب بشتى أنواعه وصوره، خاصة تجارة السلاح التى تباع بأرخص الأثمان، ولتكون موجودة مع غالبية العائلات والقبائل بالمحافظة، والدليل على ذلك المجازر البشرية التى شهدتها أسوان خلال سنوات ما بعد الثورة، التى راح ضحيتها العشرات من أبناء المحافظة، سواء بذنب أو بغير ذنب، بسبب وجود المهربين الذين لا يخشون أحداً ولا يهمهم سوى الأموال، كما انتشر مؤخراً قيام البعض من (أدلة) الصحراء بتهريب الخارجين عن القانون من أعضاء الجماعات والمنظمات الإرهابية، ومن صدر بحقهم أحكام بالمؤبد والإعدام»، وتابع: «بمعاونة أهلنا وعشيرتنا من العبابدة والبشارية، وكذلك رجال حرس الحدود، تم ضبط مجموعة كبيرة منهم ويفلت آخرون بالسفر والتسلل إلى السودان بطرق غير شرعية، مستخدمين الدروب الصحراوية والجبال، ومنهم من يستخدم مياه بحيرة ناصر للوصول إلى المنطقة القريبة من الحدود السودانية، ومن ثم تسليمهم إلى آخرين فى السودان بمقابل مادى كبير».[FirstQuote]
وأضاف «البشارى»: «فى الفترة ما بعد ثورة 25 يناير، انتشرت تجارة البشر بجميع أنواعها، من خلال تهريب الأفارقة السودانيين والتشاديين والصوماليين والإثيوبيين من خلال استقلالهم لسيارات دفع رباعى بأعداد كبيرة وتوصيلهم إلى خارج محافظة أسوان، ويستكملون رحلاتهم لأوروبا أو إسرائيل، ودائماً ما يقوم رجال حرس الحدود بضبطهم، لأن أعدادهم كبيرة، ومنهم أيضاً من يتوه بالصحراء ويموت عطشاً، ومنهم من تأكله الذئاب والكلاب الصحراوية الجائعة.
وفى أواخر شهر فبراير الماضى تمكَّن رجال قوات حرس الحدود فى أسوان بمنطقة وادى العلاقى من ضبط 7 من قيادات جماعة الإخوان الإرهابية يتزعمهم عادل قطامش، أثناء محاولتهم الهرب بطرق غير شرعية من خلال التسلل إلى جمهورية السودان عن طريق الدروب والصحارى».
وكان رجال حرس الحدود أثناء تمشيط المنطقة الجنوبية بوادى العلاقى التابع لمحافظة أسوان قد اشتبهوا فى سيارة دفع رباعى، وبدأت مطاردة معها برفقة سيارة أخرى داخل الصحارى والدروب الجبلية، وتمكنوا من ضبط أشخاص وتبيَّن أنهم من قيادات جماعة الإخوان الإرهابية، من بينهم الدكتور عادل قطامش، نائب محافظ شمال سيناء السابق بالعريش وعضو المكتب الإدارى لجماعة الإخوان بالعريش، والمطلوب ضبطه بقرار من النيابة العامة على خلفية بلاغات مقدمة ضده، وكان بحوزتهم 7 آلاف دولار و25 ألف جنيه مصرى ومبالغ مالية من عملات مختلفة، بالإضافة إلى قيادات الجماعة الإرهابية بعدد من المحافظات.
ومنذ أيام قليلة تمكن رجال قوات حرس الحدود بالمنطقة الجنوبية بناحية وادى العلاقى، من ضبط 5 من قيادات وعناصر تنظيم الإخوان الإرهابى وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسى، من بينهم الدكتور صفوت عبدالغنى، القيادى بالجماعة الإسلامية، وذلك أثناء محاولتهم الهرب والتسلل لجمهورية السودان بطرق غير شرعية من خلال الدروب والأودية الصحراوية، حيث اشتبهوا فى سيارة دفع رباعى أثناء محاولتها الهرب عبر الدروب الجبلية والأودية الصحراوية بالقرب من المنطقة الحدودية بين مصر والسودان بناحية العلاقى جنوب أسوان، ومع اقتراب سيارات رجال حرس الحدود بدأت السيارة بالإسراع ومحاولة الهرب، وبعد عمليات الكر والفر تمكنوا من إيقاف السيارة وضبط من فيها.
«تولينا القيادة الأمنية للمحافظة، ووضعنا خطة أمنية محكمة بالتعاون مع رجال القوات المسلحة وحرس الحدود فى تأمين مداخل ومخارج المحافظة»، هكذا صرح اللواء حسن السوهاجى، مدير أمن أسوان، الذى أكد نجاح القوات فى فرض السيطرة الأمنية على كل شبر بالمحافظة، و«الدليل على ذلك ضبط عدد كبير من قيادات الإخوان والخارجين عن القانون والأفارقة الذين يحاولون الهرب والتسلل بطرق غير شرعية، فإن لم يتم ضبطهم بواسطة رجال حرس الحدود فرجال الداخلية يقومون بضبطهم من خلال الأكمنة الثابتة والمتحركة بطول وعرض المحافظة، فخلال الأيام الماضية تمكن رجال المباحث بمركز شرطة دراو، شمال المحافظة، من ضبط 12 متسللاً صومالياً، أثناء وجودهم بشوارع المدينة والسوق التجارية، وبعد التحقيقات معهم تبين أنهم تسللوا ودخلوا بطرق غير شرعية عبر المنطقة الحدودية لوادى العلاقى، وكذلك أيضاً تمكنت قوة مباحث مركز إدفو من ضبط 3 سودانيين دخلوا إلى أسوان بطريق غير شرعى عبر دروب العلاقى الحدودية، وغيرهم الكثير يتم ضبطهم».
وأضاف «السوهاجى»: «نحن جاهزون للتضحية بكل ما هو غالٍ من أجل حماية المحافظة وحدودها الشمالية والجنوبية من أى عدو سواء داخلى أو خارجى، وإننا قادرون على ذلك الأمر مهما كلفنا، وليعلم الجميع أن الدولة عادت والأمن عاد لقوته وهيبته، وسيتم تنفيذ القانون على الجميع بلا استثناء، ونحذر من المساس والاقتراب من الأمن سواء للمواطن أو الأمن العام، لأن أمن المواطنين هو أهم ما نعمل من أجله».
الأخبار المتعلقة
«ثغرات» على الحدود: من هنا يمر الإرهاب
الوادى الجديد: دروب العربان القديمة.. «كلمة السر» فى مجزرة الفرافرة
جبال البحر الأحمر: متاهات «آمنة» لتجار السلاح والمخدرات