ليس معقولاً أن يوجّه رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة عليا لدراسة مشكلات صناعة الدواجن فى مصر، وحصر معوقات الربحية فيها، وتقديم الحلول لإقالة عثراتها، ثم تكون النتيجة توليفة من موظفين حكوميين، ينفّذون تعليمات بيروقراطية ورقية، وليست رؤى فنية حقلية خبيرة، فتكون اللجنة مجرد كيان يلبى أمراً، ولا يخدم المنفعة العامة للصناعة (مربون ومستهلكون ودولة).هذا الحديث بمناسبة اقتراب وزارة الزراعة من تشكيل لجنة عليا للثروة الداجنة، تنفيذاً لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء، ويُخشى من أن يكون مستوى تمثيل اتحاد منتجى الدواجن فيها، لا يليق به، ولا بحجم مسئولياته تجاه هذه الصناعة، فيكون مجرد ضيف شرف، أو جهة ذات رأى استشارى، رغم أنه الجدار الذى يجب أن تستند إليه صناعة الدواجن، وتحتمى به.ولكى تصح إجراءات حماية هذه الصناعة، كونها صناعة قومية تتحمل الجزء الأكبر من منظومة الأمن الغذائى المصرى، يجب أن يكون اتحاد منتجى الدواجن جهة ذات مسئولية وهيبة حقيقيتين، وهذا لا يتأتى دون اهتمام الدولة به، خاصة أنه من الاتحادات المنشأة بقرار جمهورى، ولذا ينبغى العمل الجاد على جبهة تحريره من تبعية وزارة الزراعة، أى أن ينال استقلاليته الكاملة، كونه يمول كل أنشطته ذاتياً، كما يفيض عنه مبالغ تصلح لإنشاء كيانات جبارة تحتاجها الصناعة.ومن الكيانات التى يجب أن يمتلكها الاتحاد، أو يكون المساهم الأكبر فيها، شركة مساهمة لتسويق الدواجن، لبناء علاقة ائتمانية مشروعة مع اتحاد بنوك مصر، أو لإقامة مظلة ائتمانية لنحو 30 ألف مربٍ من الصغار، لتأهيل مزارعهم باستثمار مبادرة البنك المركزى.وفى تصور خبراء هذه الصناعة، فإن تشكيل هذه اللجنة كان من واجبات الاتحاد، دون غيره، مع متابعة شفافة من المهندس مصطفى الصياد نائب وزير الزراعة للثروة الحيوانية والسمكية والداجنة، وهو من أكثر المسئولين الحكوميين وطنية، ومن أكثر المهتمين بمقتضيات الأمن الغذائى المصرى، مع أنه لا يرتبط بهذه الصناعة ارتباطاً ذا منفعة خاصة.ولكى تكون هذه اللجنة فاعلة، يجب أن تضم 9 أشخاص على الأقل من أرباب صناعة الدواجن (واحد من كل شعبة من شعب الاتحاد)، ومن محافظات مختلفة (الأكثر كثافة فى التسمين وإنتاج البيض)، إضافة إلى هيئة مكتب الاتحاد، وممثل خبير من هيئة الخدمات البيطرية، وعلماء أمراض من كليات الطب البيطرى، وذلك لوضع مشكلات الصناعة أمام المسئول الحكومى المكلف بتسجيل وقائع اجتماعات اللجنة، وتوثيق توصياتها، ومتابعة تنفيذها.ومن المشكلات التى قد تغيب عن بال المسئول الإدارى، الحالة الوبائية وما يلزمها من وضع خريطة استمر مخاضها منذ عام 2006، وارتفاع أسعار مدخلات إنتاج اللحم الداجنى، وما يلزمه من «نفض» الأعباء الضريبية والجمركية عن جميع عناصرها، حتى تتمكن من الإنتاج بتكلفة وسطية، تضمن ربحية عادلة للمربين، وسعراً رحيماً بالمستهلكين.ومن المسلمات التى يجب أن يشتد بها عضد الاتحاد، تحرير حساب تعويضات المضارين لدى وزارة الزراعة، ونقله كاملاً إلى مسئوليته كأموال تبرعات خاصة بأعضاء هذه الصناعة، لتخضع فقط لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، وإعفائه -أى الحساب- من جميع أشكال الرسوم والضرائب، وفقاً للوائح التى تُعفى أموال التبرعات من أى استقطاعات حكومية.وبالعودة إلى اللجنة العليا المقترحة، يجب أن تخرج إلى الدنيا غير ناقصة الأهلية، أو غيرة مبتسرة، إذ يجب تحصين قراراتها بقرار من رئيس مجلس الوزراء، وألا تكون ذا سقف سهل القفز من فوقه لتمرير قوانين تفصيلية لكيانات بعينها، تتّجه نحو الممارسات الاحتكارية.نهاية: يكفى أن نشير إلى أن رئيس مجلس الوزراء كان قد وجّه بتشكيل اللجنة 222 فى سبتمبر 2019، للنظر فى كل طلبات استيراد الدواجن ومجزءاتها، ومع وجود كيانات سيادية عليا فى تشكيلها، خرج عليها من خرج، ملوحاً ومهدّداً باستيراد مجزءات الدواجن، بدعوى موازنة الأسعار أمام المستهلك.الغريب أن المهددين بالاستيراد يعلمون يقيناً أنه يُغرق هذه الصناعة، وأنه لن يتضرر من تدميرها سوى المستهلك المصرى، ومعه تسريح نحو 4 ملايين عامل، وحرق نحو 100 مليار جنيه، معظمها قروض من مدخرات المصريين.