فى شهرى مارس وأبريل من العام الماضى، قدمت عبر مقالين متتاليين اقتراحاً قدمه حزب التجمع للحكومة بضرورة التخطيط العاجل لدورة زراعية جديدة، وتركيب محصولى مختلف لمواجهة الأوضاع الطارئة التى يواجهها العالم، فى إطار التداعيات المتوقعة لأزمة «كورونا» وتأثيرها على قطاعات عديدة، ومن بينها الزراعة، وأن تقوم الحكومة فى أسرع وقت ممكن بتشكيل لجنة تضم وزراء الزراعة والرى والموارد المائية والتموين والتجارة الداخلية والتخطيط والبنك المركزى لاقتراح التركيب المحصولى الآمن الذى يضع فى اعتباراته ما هو مرئى وغير مرئى من مخاطر.
قلت وقتها إن الاقتراح يكتسب أهميته فى ظل احتمالات التقلب فى الأسواق العالمية للمعروض من السلع وأثمانها، والتأثير المباشر لذلك على مدخلات ومخرجات الإنتاج الزراعى فى مصر، وأننا نمر بفترة يصعب معها التنبؤ، لعدم التأكد من سيناريوهات كثيرة محتملة، وهو ما يتطلب من الدولة المصرية ضمان إنتاج جزء كبير من الغذاء محلياً، وعدم المخاطرة إزاء عدم التيقن مما سيحدث فى أسواق الغذاء العالمية من تقلبات، وكذلك تقليل المخاطر المرتبطة باستيراد الغذاء، وتقليل الضغط على النقد الأجنبى اللازم للشراء من الخارج واستخدامه فى مجالات حيوية أخرى.
قلت أيضاً إنه حان الوقت الذى يجب أن نتحرك فيه بسرعة، لأن الكارثة التى يمر بها العالم -وليست مصر وحدها- مقبلة، وفى مواجهتها نحتاج المزيد والمزيد من الإجراءات الصارمة والقرارات الحاسمة.. فالوقت يداهمنا ولا نملك ترف الانتظار.
توقعت الاهتمام بالاقتراح -المنطقى- ولكن للأسف مر عامان إلا قليلاً، ولم تلتفت الحكومة له ولو بطرف عين.
ويبدو أن حكومات مصر -كلها وليست الحكومة الحالية فقط- اعتادت السير دائماً فى النفق المظلم، واعتاد المصريون من باب التفاؤل رؤية الضوء فى نهاية النفق.
هذا الضوء بدت ملامحه يوم الأربعاء الماضى، عندما اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسى بالمسئولين عن مشروع «مستقبل مصر» للإنتاج الزراعى -وهو جزء من مشروع «الدلتا الجديدة» العملاق لاستصلاح مساحة 2٫2 مليون فدان- وكلفهم الرئيس بتركيز المشروع على «زراعة السلع الاستراتيجية اللازمة لتقليل فجوة الاستيراد، وأن يتضمن مختلف الأنشطة الإنتاجية المرتبطة بالنشاط الزراعى، لتحقيق قيمة مضافة لإنتاجية المشروع، وإنشاء مجمع تصنيع زراعى متكامل لتحقيق الاكتفاء الذاتى من متطلبات الإنتاج، إلى جانب منظومة المعامل والصوامع والمبردات المطلوبة لعمل هذا المشروع العملاق».
اللافت أن الرئيس السيسى اجتمع -وفقاً لتصريح المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية- مع الفريق محمد عباس حلمى، قائد القوات الجوية، واللواء أمير سيد أحمد، مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمرانى، والمقدم طيار بهاء الدين الغنام، مدير مشروع «مستقبل مصر»، هو إذاً مسار مختلف عن مسار الحكومة التى أناشدها دراسة إعادة الدورة الزراعية التى هجرناها منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين بحجة تحرير الزراعة.
نحتاجها الآن فى ظرف بالغ الدقة ولو لفترة مقبلة نخضعها للدراسة، وبعدها نقرر، إما أن نستمر أو نتوقف.
ملامح الضوء، كما أشار إليها الرئيس فى «مستقبل مصر»، تبعث على التفاؤل، لكنها تحتاج أيضاً تركيزاً واجتهاداً من الحكومة لتكتمل المنظومة الآمنة للخروج من النفق المظلم.