«أحد الأشياء المروعة فى هذا الوباء هو أن الناس لا يصدقون كل ما يقال من العلماء، أننا نغير آراءنا لأن الهدف متحرك».كان ذلك تصريح «دانى ألتمان».. أحد أكبر أساتذة المناعة فى جامعة لندن.. وهى فى رأيى إحدى أكثر المقولات التى خرجت للعالم منذ ظهور «كوفيد» صدقاً!.
كان صباح الثلاثاء التاسع من ديسمبر 2020 هو نقطة التحول الكبرى فى تاريخ هذا الوباء اللعين.. عندما أصبحت «مارجريت كينان»، البالغة من العمر 91 عاماً، و«ويليام شكسبير»، البالغ من العمر 81 عاماً، أول شخصين يتلقيان جرعة أولية من لقاح فيروس كورونا بعيداً عن التجارب السريرية فى المملكة البريطانية بأكملها.
لقد أطلق على هذا اليوم يوم الانتصار.. واحتفلت إحدى الصحف البريطانية بهذا الحدث، قائلة فى عنوانها الرئيسى: «ترويض الفيروس»!لم يكن الوباء قد انتهى بعد، وربما لم يفعل حتى لحظة كتابة هذه السطور.. لكن ما حدث آنذاك كان بمثابة الخطوة الأولى على طريق التغلب عليه!إشكالية كبيرة وقع فيها العالم بأسره حين قررت حكومات الدول الموافقة على إتاحة جرعة ثالثة معززة من لقاح كوفيد لبعض الفئات.. تلك الجرعة التى استهدفت العاملين بالقطاع الطبى وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة دون غيرهم فى المقام الأول..!
إشكالية كان مصدرها الرئيسى هو الاختيار بين تعزيز مناعة الشعوب وإتاحة مخزون اللقاحات للدول الفقيرة التى لم تمتلك بعد الحد الأدنى الذى يمكن أن تقدمه لمواطنيها..!اختبار عسير مر به العالم منذ أن ظهر «كوفيد» للوجود وحتى الآن.. أزمة أخلاقية فى المقام الأول بين إتاحة اللقاحات لجانب العالم الآخر الذى لم يمتلك لقاحه أو صم الآذان عنه وافتراض أن الحياة حق فقط لمن يمتلك القدرة على دفع ثمنها.. والذى يتلخص هنا فى تكلفة اللقاح..!اختبار لم ينجح فيه أحد تقريباً حتى الآن.. ويبدو أن أحداً لن ينجح فيه حتى قيام الساعة..!الأزمة أن عدم توفير لقاحات لتلك المجتمعات الفقيرة جعل منها معملاً بيولوجياً مثالياً لتحورات الفيروس.. لقد وجد «كوفيد» ضالته فى أجساد هؤلاء.. وتمكن من ممارسة هوايته التى يتقنها ككل الفيروسات فى التحور المستمر.. ليخرج إلى العالم عدداً من التحورات الجديدة، التى ظهر آخرها باسم «أوميكرون» فى جنوب أفريقيا منذ فترة قصيرة.. الأمر الذى هدد استقرار العالم من جديد وبعث المخاوف حول إعادة المشهد بأكمله من البداية! يعلم الجميع أن الجرعات المعززة لن تقضى على الفيروس.. بل لن ينتهى الفيروس مطلقاً وهناك مصاب واحد على ظهر الكوكب.. ولكن الهدف الرئيسى من تلك الجرعات هو تخفيض عدد الإصابات ورفع الضغط على النظام الصحى فى تلك الدول.. لا أحد يمكنه تحمل إغلاق جديد.. هكذا يفكر العالم..!الجرعة الثالثة تم اعتمادها فى معظم دول العالم التى نجحت فى توفير مخزون استراتيجى مطمئن، عبر حديث لا ينتهى حول نوع اللقاح المستخدم فى الجرعة الثالثة وضرورة أن يكون من نفس نوعية اللقاح الأول أم لا..!فى مصر تمكنا من امتلاك لقاحنا الوطنى بإنتاجية متميزة تصل إلى مليونَى جرعة أسبوعياً، بحسب تصريحات وزارة الصحة، وهو أمر جيد للغاية.. يتحدث البعض عن احتمال أن يصبح اللقاح موسمياً.. حتى إن حدث هذا فقد انتهى الأمر بالنسبة لنا.. لقد امتلكنا القدرة.. وبالتالى حقنا فى الحياة!أعتقد أن الحديث حول جرعات أخرى من اللقاح لا ينبغى أن يسير بمعزل عن إتاحة المخزون للدول الفقيرة، خاصة فى أفريقيا.. فنهاية الوباء لن تحدث إلا بإجباره على الخروج من أجساد البشر.. كل البشر دون تمييز وليس فقط من امتلك ثمنه.. أو هكذا أعتقد!