كانت حرب يونيو 1967 أكبر فرصة للتخلُّص من جمال عبدالناصر. كان «ناصر» متشدداً بشأن الحقوق العربية وداعماً لكل شعب يناضل من أجل حريته وتحرير أرضه من الاستعمار. كان حجر عثرة أمام إسرائيل التى كانت تحلم دوماً بأرض فلسطين كاملة. كان الرئيس الأمريكى جونسون ساعياً بلا كلل للتخلُّص من «ناصر» أو «الديك الرومى» حسبما أطلقوا على عملية 5 يونيو. القادة العرب أيضاً كان منهم من يتمنى أن يستيقظ من نومه ليجد «عبدالناصر» قد اختفى أو تبخر. كانوا يخافون على عروشهم. يعرفون مدى قوة وتأثير «عبدالناصر» على الشعوب العربية وثقله إقليمياً ودولياً.
يذكر محمد حسنين هيكل فى كتابه «الانفجار» أن جيمس أنجلتون، مدير العمليات فى المخابرات الأمريكية، عقد عدداً من اللقاءات السرية مع مسئولين من الموساد الإسرائيلى. كان السؤال المحدد فى الاجتماع: كيف ومتى يتم التخلُّص من «ناصر»؟. أدركوا أن من الصعب التخلُّص منه من الداخل، فاتفقوا على أن الحل الوحيد يكون من خلال مواجهة عسكرية مع إسرائيل تضعه فى موقف لا يستطيع الانتصار فيه، فإذا تراجع أو هزم فإنها ستكون نهايته. تواصلت الاجتماعات بعد ذلك فى واشنطن وتل أبيب بين ممثلى المخابرات الأمريكية ومجموعة منتقاة من ضباط الجيش الإسرائيلى وبعض السياسيين. تم الاتفاق خلال تلك الاجتماعات على السعى إلى إثارة حرب يمكن احتواؤها بين مصر وإسرائيل بحيث لا تتماس مع خطوط سوريا والأردن.
اتفقوا على أن سياسات «عبدالناصر» المتشددة مع التأييد السوفيتى المتزايد له، وكذلك أوضاع سوريا، يمكن استغلالها جميعاً لإثارة رأى عام مهيأ لقبول الحرب. كما اتفق على استبقاء علاقات وثيقة مع الحكام العرب المعادين لـ«ناصر»، وبالذات الملك حسين، ملك الأردن، والملك فيصل، ملك السعودية، واستغلال مشاعرهما القوية ضد حركة القومية العربية. بعد الاتفاق بين الأمريكيين والإسرائيليين قام ضباط من المخابرات الأمريكية بشرح الخطة للملك حسين، تاركين له حرية أن يقرر كيف يتحرك. كان الملك يفكر أنه إذا استمرت الحركة الناصرية فى زيادة قوتها بالتعاون مع سوريا والعراق فإن العرش الهاشمى فى عمان سيكون معرضاً لضغط شديد.
قيمت الولايات المتحدة الوضع العسكرى وضمان تأمين إسرائيل وتوفير الحماية لها من أى ظروف معاكسة وحددت أهداف الحرب ضد مصر فى عدة نقاط؛ إحراج الاتحاد السوفيتى إذا ما ضربت إسرائيل مصر بدون مساعدة أمريكية ظاهرة، وتدمير جزء كبير من الأسلحة السوفيتية التى أعطاها الاتحاد السوفيتى لمصر خلال سنوات طويلة، واختبار أنظمة السلاح الغربى ضد أنظمة السلاح السوفيتى من خلال معركة فعلية فى الشرق الأوسط، وتمكن إسرائيل من الاستيلاء على أراضٍ يستطيعون أن يضغطوا بها من أجل تسوية شاملة للصراع العربى - الإسرائيلى، وبالطبع إسقاط هيبة «ناصر» وربما إسقاط نظامه.
كانت الخطة محكمة ومتكاملة. وتم تنفيذها بالفعل فى ظروف ساعدت على ذلك. الغريب أن جمال عبدالناصر كان قد توقع موعد بدء الهجوم وحذر من التهاون فى مواجهته، لكن تركت الطائرات عارية وتم ضربها فى الفجر، وقد ساعد ذلك إسرائيل كثيراً على السيطرة الكاملة على أجواء المعركة وتحقيق نصر سريع. ما لا يدركه الكثيرون أن نكسة يونيو رغم أنها استغرقت وقتاً قصيراً إلا أن الإعداد لها كان قد استغرق زمناً طويلاً.