فى مبادرة سريعة تضع المجتمع الدولى أمام مسئوليته تجاه القضية الفلسطينية استضافت مصر قمة القاهرة للسلام 2023.. قمة دولية إقليمية عُقدت بعد استجابة واسعة من قادة العالم لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى. فى خطوة أكدت قدرة مصر على فرض دبلوماسية الحوار، للوصول إلى صيغ حاسمة للتهدئة فى منطقة الشرق الأوسط تحديداً فى الملف الأكثر تأثيراً على استقرار المنطقة العربية والعالم، القضية الفلسطينية.
ارتباط مصر بالقضية الفلسطينية لم تصنعه شعارات دأب المتاجرون باسم الدين على ترديدها فى استغلال رخيص لما تُمثله من ارتباط بالضمير العربى. هو مسار تضافرت خلاله تضحيات الطرفين، المصرى - الفلسطينى، عبر عقود من الدعم للقضية الفلسطينية.. حقيقة موثّقة فى كتب ومراجع التاريخ منذ عام 1948 حين سالت دماء الشهيد المصرى القائد أحمد عبدالعزيز وغيره من أبطال الجيش المصرى على أرض فلسطين، لتمتزج بدماء أبنائها فى سبيل الدفاع عن حق مشروع لشعب عربى تعرّض عبر تاريخه لأقصى الممارسات الوحشية. مصر أيضاً أخذت على عاتقها تاريخياً المبادرة فى الدعم السياسى للقضية الفلسطينية، سواء عبر مفاوضات مع قادة العالم، أو على صعيد المساعى الدبلوماسية الرصينة عربياً ودولياً فى محاولات دؤوبة، لحث العالم على العمل للوصول إلى الحل الضامن لأمن واستقرار المنطقة.. إقامة دولة فلسطينية، بعدما ثبت منذ عام 1948 حتى تداعيات عملية «طوفان الأقصى» أنه المسار الوحيد، ليس على نطاق المنطقة العربية فحسب، بل أمام إسرائيل التى تأبى غطرستها ودوافعها الانتقامية تجاوز أدوات القمع الوحشى.
الآلة العسكرية التى تسارع إسرائيل لاستعراضها مع اندلاع كل صراع فى فلسطين لم تُنقذ إسرائيل من العنف -ولن تفعل- ولا حققت لها الأمن الذى يشكل الهاجس الأكبر فى الشخصية الإسرائيلية. بل إن ترسانة الأسلحة الأمريكية المتدفقة إلى إسرائيل لن تنجح فى قتل روح المقاومة عند الشعب الفلسطينى.. على العكس ستخلق أجيالاً جديدة من المقاومة أكثر إصراراً على استعادة حقوقها المشروعة، خصوصاً بعد تخلى المجتمع الدولى عن جدية تبنى قضيتها. الأدهى على الصعيد السياسى تبنى أمريكا والغرب مواقف متطرّفة غضّت بصرها عمداً عن تاريخ وجذور الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى لتختصر التاريخ فى لحظة انفجار شعب دفاعاً عن حقوقه المشروعة.
قمة القاهرة للسلام طرحت على أولوية أجندتها الشق الإنسانى للأوضاع الكارثية فى قطاع غزة.. سرعة استكمال إدخال المساعدات وإمدادات الإغاثة، ووقف فورى لجرائم الحرب الدولية التى يمارسها الكيان الصهيونى من قصف دور عبادة ومستشفيات ومجازر جماعية ضد الأبرياء.
على الصعيد الآخر، تبادر مصر إلى التقاط لحظة حاسمة ودقيقة فى ملف القضية الفلسطينية، أعادتها إلى دائرة اهتمام العالم، لتضع أمام المجتمع الدولى عدة ثوابت حاسمة أجمع عليها الموقف العربى خلال لقاءات كثيرة خلال الأسابيع الماضية بين قادة دول المنطقة ومسئولى أمريكا والدول الغربية. أولاً رفض تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين قسرياً إلى مناطق بديلة، هذه النغمة الشيطانية التى دأب على ترديدها ساسة ومسئولو إسرائيل عبر الإعلام الأمريكى. المؤكد أنها ستزيد فرص انفجار الصراع، لكن على نطاق أوسع بما يُهدد استقرار المنطقة العربية وامتداد تأثير اندلاع العنف مجدداً ليشمل الصعيد الدولى.
ثانياً، الرؤية الأمريكية والغربية القاصرة للقضية الفلسطينية من منظور الأحداث الأخيرة فقط لن تُسفر عن حل جذرى ضامن لإنهاء الصراع، بل على الأغلب قد تزيده اشتعالاً. لن تستثنى إسرائيل من تبعات هذا التصعيد فى حال بقاء شعبها تحت تهديد اندلاع العنف والهجمات داخل مدنها أى لحظة، مع الوضع فى الاعتبار زخم الاحتجاجات السياسية الدائرة داخل إسرائيل منذ أشهر، مما يُهدّد استمرار الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة نتنياهو، بالإضافة إلى المزيد من الخسائر الاقتصادية التى ستتكبّدها فى ظل البقاء داخل دائرة العنف والتأثير الكارثى لانزلاق المنطقة فى حرب على المستوى الإقليمى بالكامل.
تبقى الحقيقة الأهم التى تطرحها مصر أمام المجتمع الدولى فى قمة القاهرة للسلام -لمن يريد أن يعقل ويعى- هى السعى بجدية فى خطوات إقامة دولة فلسطينية مستقلة تضمن كرامة الشعب على أرضه.