كيف يشعر أطفال غزة؟ كيف يعيشون أهوال الحرب المدمرة التى يشنها العدو المحتل؟ هل يخافون؟! هل يفزعون من صوت الرصاص؟ هل تنتابهم الكوابيس؟ هل النوم فى الظلام يؤرقهم؟ بالتأكيد يخافون ويفزعون، لكن لا الظلام يؤرقهم ولا الرصاص يثيرهم بعدما عاشوا أهوال الصواريخ ودكات الطائرات والدبابات.
لكن الحرب تترك أثرها النفسى والجسدى على الأطفال.منذ عقود يعيش أطفال فلسطين على صوت الرصاص والمدافع والصواريخ، لم يعد أزيز الطائرات يدفعهم للفرار والاختباء، لم تعد مشاهد البيوت المهدمة تثير انتباههم. يعيش أطفال فلسطين حرباً طويلة ممتدة لعقود من الزمان مشاركين آباءهم نضالهم من أجل استرداد الوطن.
وليس جديداً ما تفعله إسرائيل، فقد فعلت ذلك فى كل انتقاماتها من قبل، فعلته فى غزة مرات ومرات، ومؤخراً أغلق العام الدراسى وفى إحدى المدارس لم يعد هناك تلاميذ لأنهم استشهدوا جميعاً.قامت إسرائيل بعملياتها الإجرامية من قبل فى لبنان وقتلت الفلسطينيين فى غارات انتقامية على مخيماتهم وامتلأت المخيمات بالأطفال اليتامى، الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم فى تلك المجازر.
شب هؤلاء على كراهية العدو وفقدوا إحساسهم بطفولتهم، وكان عليهم أن يكبروا بسرعة من أجل أن يكونوا قادرين على الانتقام، شبوا مقطوعى الأذرع والسيقان ويمضون بقية حياتهم -إن استمرت- على هذا الحال.
لا توجد عائلات فلسطينية كاملة، لا توجد أسرة كاملة، لا بد أن الأب قد رحل، أو الأم رحلت، أو الاثنان رحلا وكذلك أطفالهم وأبناء حاراتهم.صار معظم أطفال الحرب ما بين يتيم أو مشرد أو معاق أو محروم، فالحرب ما هى إلا بوابة ملغمة تشتت مستقبل الطفل وتدمر صحته النفسية.
إن معاصرة الطفل أجواء الرعب والعنف يخلق فى نفسه صدمة تفوق درجة استيعابه، صدمة تخلف وراءها من الآثار النفسية والجسدية ما هو كفيل بتشويه معنى العالم من حوله، إضافة إلى افتقاد الطفل الشعور بالأمان، ذلك الشعور الذى يمثل حاجة أساسية لنموه نفسياً ومعرفياً.
إن القلق والخوف والاضطرابات السلوكية نتيجة حتمية للأطفال الذين عايشوا الحروب، كما أن الإحباط واليأس والتمرد والعنف ترسخ فى ذاتهم نتيجة ما يعانون من فقد وقهر، ولعل الأزمة الأخرى التى تجعل عالم الطفل أكثر تعقيداً هو سلبه حقوقه الأساسية من تعليم وإيواء، تلك الأزمة التى تتسبب فى جعل الطفل يفتقد شروط الحياة الأساسية.
وقد أظهرت الدراسات أن الأطفال والأسر الذين يعيشون فى مناطق الحرب أو الذين يفرون منها معرضون بشكل متزايد لخطر المعاناة من مشاكل الصحة العقلية.
لا تزول آلام الحرب بمجرّد وقف إطلاق النار وانتهاء العمليات العسكرية، بل تمتد المأساة لسنوات طوال بعدها، عندما يصحو الناس على ما خلّفته الحروب من ندوب عميقة داخل نفوسهم كباراً وصغاراً.
وإذا كُتبت لهم النجاة من الموت يصلون لاجئين إلى المخيمات ومناطق النزوح فاقدين كل ما لديهم من طاقة جسدية ونفسية، لتبدأ بعد ذلك حلقة جديدة من مسلسل الألم الذى لا ينتهى، لتعلن الأزمات النفسية والعقلية ظهورها تدريجياً فى مجتمعات اللجوء.
إن الدعم النفسى للمتضررين من الحرب ليس رفاهية، إنما ضرورة قصوى تقع مسئوليتها على عاتق المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدنى الدولية والمحلية.
إن الحرب تحوّل الطفل إلى شخص آخر، يتغير نتيجة الخوف والفوضى، ما يعيشه يمحو ملامح الطفولة والبراءة والأحلام، ويضع مكانها الحزن وفقدان الأمل والخوف من الحياة ذاتها.