«الأجواء الشائكة غالباً ما تحمل أفضل الفرص لخلق أرضية موحدة لمواجهتها» إحدى نظريات كواليس السياسة التى تبدو الأكثر مواءمة للمشهد العربى الحالى.
ترقب الشارع العربى لردود فعل البيان الختامى للقمة العربية، التى عقدت فى البحرين بكل ما أحاطها من التحديات ومتغيرات بالغة التعقيد قد يدفع تصاعدها أمام العبث الإسرائيلى ليس فقط إلى تهديد أمن واستقرار المنطقة العربية، بل تتجاوز أبعاده إلى تهديد المشهد العالمى، أمام عجز تام من المجتمع الدولى ومنظماته المختلفة عن إيقاف وحشية ممارسات الكيان الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى.
المجموعة العربية على رأسها مصر التى لم تتوقف جهودها الحثيثة منذ اللحظات الأولى لعملية طوفان الأقصى، إذ كانت مساعى احتواء الأزمة الكارثية محور اتصالات ولقاءات الرئيس عبدالفتاح السيسى مع قادة دول العالم، كما لم تهدأ التحركات الدبلوماسية فى إدارة الأزمة مع مختلف الأطراف من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار يضع حداً لمعاناة سكان قطاع غزة.
المؤكد أن هذا التوقيت الحاسم يفرض ترجمة الموقف العربى الموحد إلى صيغة قرارات أكثر حزماً وصرامة من تلك التى اعتاد على سماعها المواطن العربى فى القمم السابقة. بالتالى حظيت دعوة مملكة البحرين إلى عقد مؤتمر دولى برعاية الأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية تشارك فيه جميع الأطراف المؤيدة لحل الدولتين بإجماع عربى.
ما يضع الأطراف الدولية فى هذا التوقيت الدقيق -تحديداً أمريكا، الاتحاد الأوروبى، روسيا، الصين أمام لحظة اختبار لإثبات جدية تصريحاتها المتكررة حول دفع عملية السلام وصولاً إلى تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين.
المشهد العربى ينتظر استثمار حالة التجمع العربى فى الضغط بكل ما يمتلكه من نقاط قوة رداً على السيناريوهات المشبوهة التى تحاول الإدارة الأمريكية وهذيان مغامرى اليمين المتطرف الإسرائيلى التسويق لها، بعد فشل هراء هذه الأطراف عن المساس بأرض مصر بهدف تصفية القضية الفلسطينية، انتقلت النغمة النشاز فى سياق ذات الهدف إلى التلميح بتهجير الشعب الفلسطينى إلى بقاع أخرى فى العالم!
ثم اتجهت نفس الأطراف إلى طرح مساومات سياسية على دول عربية لعقد اتفاقيات منفردة مع إسرائيل سعياً للالتفاف على مواقف هذه الدول.. كلها محاولات لا تخدم الحل الوحيد الضامن لاستقرار المنطقة، حل الدولتين ومنح الشعب الفلسطينى الحق فى إقامة دولته على أرضه.
جدول أعمال قمة البحرين الذى أقره اجتماع وزراء الخارجية العرب تضمن مجموعة قرارات حول قضية القضايا.. فلسطين. الأمر الذى يضع القمة أمام توقعات غير مسبوقة، تحديداً فى ظروف بالغة التعقيد بذل خلالها المفاوض المصرى جهوداً وصبراً لا حدود له أمام التعنت والجنون الإسرائيلى، ما يضع على أولويات برنامج العمل التفاعل مع التحذيرات الجادة للقيادة السياسية المصرية.
بالإضافة إلى التصريحات الدبلوماسية فى رسائل للعالم تنذر وتحذر من خطورة انفجار الأحداث فى المنطقة العربية، بكل ما قد يمثله من تهديد ومساس بالمصالح الأمريكية والغربية مع دولها، أو دخول أطراف أخرى فى الصراع.
بالإضافة إلى الملف الرئيسى حول تصاعد الأحداث الكارثية فى قطاع غزة ورفح الفلسطينية، هناك اضطرابات أمنية تم طرحها ضمن جدول الأعمال تهدد دول السودان، ليبيا، اليمن، سوريا، إشكاليات ومعوقات سياسية وأمنية فى العراق.
كما تضمن جدول الأعمال 8 بنود رئيسية تتناول مختلف القضايا المتعلقة بالعمل العربى المشترك فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية، ملفات تفرض مواجهات مختلفة خارج سياق البيانات التقليدية.
نتائج تلبى طموحات الشارع العربى على أرض الواقع، تتبنى مواقف ضغط على الجانب الإسرائيلى تستدعى تلك التى اتخذتها مصر بعد 7 أكتوبر الماضى، لا سيما أن الدول العربية تملك العديد من أوراق الضغط الاقتصادى والسياسى.
الطريق إلى قمة البحرين لم يكن مفروشاً بالورود، فى ظل اختبار قوة العمل العربى المشترك والقدرات العربية على الضغط حتى يتم وضع حد لجرائم الاحتلال الوحشية بكل ما تمثله من تهديد على حاضر ومستقبل المنطقة العربية، ما يفرض قراراً عربياً حاسماً فى إطار استراتيجية عربية مشتركة للضغط على المجتمع الدولى، من أجل تفعيل فورى لوقف إطلاق النار فى فلسطين.
تحديداً مع تصاعد خطورة الأحداث مع دخول العدوان الإسرائيلى شهره الثامن.
هذا العدوان الذى امتدت تداعياته إلى تهديدات تمس الممرات الملاحية التى تعتمد عليها مصالح دول العالم فى تجارتها وربط تحركاتها الملاحية بين مختلف بقاع العالم.
من المهم أن يشهد الشارع العربى حدوث اصطفاف وتفاعل مع رؤى دوله المؤثرة على رأسها مصر، التى اضطلعت تاريخياً بمهام جوهرية فى معالجة قضايا المنطقة وإدارة أزماتها بحكم ثقل ومسئولية مصر، من هنا تأتى أهمية تبنى رؤية مصر التى طرحها على القمة خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى.
صلابة الموقف العربى المشترك أمام العالم بالتأكيد سمنحها قدرة التأثير أمام أعراف دولية لا تعترف إلا بقوة العمل الجماعى.