«روبين».. عالج المرض على الشاشة وانتحر بسببه فى الواقع
«روبين».. عالج المرض على الشاشة وانتحر بسببه فى الواقع
روبين ويليامز
اعترفت زوجة الممثل الكوميدى العالمى روبين ويليامز بأن زوجها كان مريضاً بمرض باركنسون الشلل الرعاش فى بداياته، وهذا ما دفعه للانتحار، لم يحتمل هذا الفنان المرهف الحس أن يصمت حياً ويخرس جسده وهو ممثل الطاقة والحركة والانطلاق والبهجة والمرح، المدهش أن روبين ويليامز كان قد جسد فى فيلم «Awakenings» دور طبيب اكتشف دواء للشلل الرعاش، تمت تجربة الدواء على مريض شاب فى المصحة دخل فى غيبوبة طويلة، جسد دور المريض الممثل العبقرى روبرت دى نيرو، الفيلم ينتهى بندم المريض على خروجه من الغيبوبة وإحساس الطبيب بالذنب فهو قد تعامل مع مرض لا مريض واهتم بالانتصار العلمى وليس الانتصار الإنسانى!
يظل السؤال لماذا انتحر روبين ويليامز ولم يترك نفسه ليتواءم مع الشلل الرعاش الذى يتسلل ببطء؟ ودعنا منتحراً ليقول كفى ويضع نقطة فى نهاية سطر حياته التى أسعد فيها الملايين حول العالم، ولكنه أخفق فى تصنيع سعادة سابقة التجهيز تجعله متحملاً لتناقضات هذه الحياة وعبثيتها أحياناً، كان اسمه علامة جودة على أى فيلم حتى ولو كان دوراً مساعداً، كان بالنسبة لى شخصياً قرص دواء سينمائى، ومعزوفة بهجة إبداعية، وغلاف كتاب فلسفة، متألق بألوان ملابس المهرجين الحارقة المجنونة! لم أندهش لخبر انتحاره مثلما اندهش الكثيرون، فالكوميديان هو المكتئب الأعظم، والساخر هو الحزين المزمن!
خاسر من يراهن على أن جلسته مع مبدع ساخر هى جلسة فرفشة، فليرح نفسه فسيخسر الرهان حتماً، الكوميديا تقوم على التناقض، والكوميدى الساخر تزداد سخونة إيقاعه عندما يلتقط رادار إبداعه هذه التناقضات ويختزنها ويعجنها فى روحه وأعصابه وكيانه لينتج لنا الكوميديا، من السهل جداً أن يتسلل الاكتئاب كاللص المحترف خفيف اليد إلى قلب وعقل الفنان الكوميدى الحقيقى الصادق الذى يعانى من أجل فنه، تفاصيل الحياة التى تجتمع كالبازل فى عقل ووجدان الساخر والتى يراها من زاويته الخاصة وكاميرته الحساسة تفاصيل مضحكة من فرط عبثيتها وتناقضها، يراها العاديون تفاصيل عادية يتآلفون معها ويعتادونها لكنه فقط هو الذى يظل على مسافة محايدة غير قادر على التآلف والانسجام، فالتناقض هو وقود إبداعه، البشر يقولون له هذا معقول ويظل هو الوحيد المبتسم فى صمت مؤمناً بأنه اللامعقول المدهش الجنونى الخارج من إطار المفروض والواجب والتقليدى.