قلت لأسامة: من المؤكد أنك خضت معركة ضارية مع رقابة التليفزيون!. فضحك وعاد بظهره إلى الوراء: «يووووه».. صفحات من «الملاحيظ»، وقتال على كل مشهد. الحلقة الثالثة من الجزء الرابع -مثلاً- كانت مهددة بالنسف تماماً لولا أن تدخل صفوت الشريف مطالباً بإذاعتها كاملة، على أساس أنه لم يحدث أن تسبب عمل فنى فى إشعال مظاهرة. وأعتقد أنه كان يقدر رغبة الجمهور فى مشاهدة المسلسل بلا تشوهات، وما يمكن أن يحدث لو أعلن العاملون فى المسلسل احتجاجهم على تدخل الرقابة.
قلت: ما المضمون العام لملاحظات الرقابة؟!.
- حسب كل مرحلة، يعنى مثلاً فى الحلقات الأولى المرتبطة بحرب 67 قالوا إننى أدافع عن «عبدالناصر»، وكتبت الرقيبة فى تقريرها الرسمى: «لا يتوانى السيد المؤلف فى الدفاع عن (عبدالناصر) بمناسبة وبدون مناسبة»، كأن الدفاع عن «عبدالناصر» جريمة!. وفى حلقة أخرى كتبت الرقيبة نفسها: «ما زال السيد المؤلف يدافع عن (عبدالناصر)، محملاً المؤسسة العسكرية مسئولية النكسة، وما فتئ السيد المؤلف، وما انفك السيد المؤلف.. وهلم جراً». أيضاً طالبوا بعدم الإشارة إلى الصراع بين «عبدالناصر» وعبدالحكيم عامر. وفى أحد المشاهد يقول «مصطفى رفعت» (محمد وفيق) الذى يُفترض أنه من «مجموعة المشير»، لـ«كمال خلة» (شوقى شامخ) عقب الهزيمة: «انت ما تتصورش الراجل ده (يقصد المشير) فيه شهامة وجدعنة قد إيه»!!. فيرد كمال خلة قائلاً: «الشهامة والجدعنة دى تنفع بين الإخوات على المصطبة.. إنما ده مش منطق يُدار بيه جيش وتُدار بيه حرب. هو صحيح كبنى آدم كان صاحب صاحبه وفيه شهامة وما يردش طلب لواحد وتحبه على المستوى الشخصى.. إنما كقائد عسكرى كان فاشل». هذا الحوار تم حذفه بالطبع. أيضاً ثار جدل طويل حول مشاهد اجتماعات «التنظيم الطليعى»، وكان ممكناً أن تُحذف لولا تدخل ممدوح الليثى. ومشهد ضرب اليهود لمصنع «أبوزعبل» احتجت عليه الرقيبة بحجة أن هناك معاهدة سلام بيننا وبين إسرائيل، فكيف نعيد تذكير الناس بهذه العداوات؟. وكان كلامها مستفزاً إلى حد أن ممدوح الليثى رد عليها قائلاً: «ده تاريخ.. يعنى إيه معاهدة سلام؟.. هو مصنع أبوزعبل ده مش انضرب بالفعل»؟. ثم جاء الجدل حول رحلة «السادات»، وكان أشد شراسة وغباء بالطبع. نحن نعرف أن كثيراً من أعضاء التنظيم الطليعى دخلوا السجن بعد عام 1971. وكان لى أصدقاء شبان فى تلك المرحلة قُبض عليهم لأنهم آمنوا بالمبادئ التى أمليت عليهم. كان يقال لهم إنهم هم الذين يحمون مبادئ «عبدالناصر» وإنهم سيكونون أداة للتغيير، فآمنوا بذلك وصدقوه. وبين يوم وليلة أصبحوا مجرمين يتآمرون ضد نظام الحكم، لمجرد أن «السادات» ضرب مراكز القوى، فدخلوا السجون، وبينهم صديق أعرفه قضى خمسة عشر عاماً وراء الشمس وكل ذنبه أنه آمن بمبادئ «عبدالناصر». هذا مثال لما طالبت الرقابة بحذفه وعدم الإشارة إليه. وفيما يختص بكارثة كامب ديفيد، هناك مشهد يجمع بين لحظة نزول «السادات» فى القدس، وإعلان أحد أثرياء الانفتاح عن رغبته فى شراء قهوة زينهم السماحى. وبذكاء تُحسد عليه قالت السيدة الرقيبة إن هذا معناه أن «السادات رايح يبيع مصر». وتساءلت: «إشمعنى يعنى القهوة ما تتباعش إلا لما السادات يزور إسرائيل!».
■ قلت ضاحكاً لأسامة: الحقيقة أنه سؤال وجيه!.
- رد بخفة ظل: وماله.. أنا لا أنكر أن هذا كان قصدى، لكن «عزيزه هنرى» -هنرى كيسنجر- هو الذى قالها قبل ذلك بكثير. قال: أنا ما كنتش مصدق اللى بيحصل قدامى، رايح أطلب من السادات «فتفوتة قد كده».. لقيته بيدينى الجمل بما حمل.
■ قلت: لنفرض أن قانون الرقابة «حمار».. ألا توجد إمكانية لترويضه؟.
- أجاب ضاحكاً: بالعكس. هم «يعلفونه» كل فترة بما يسمى تعليمات جديدة. يعنى مثلاً حصلت أزمة فى الزيت. يمنعوا أى كلام عن الزيت فى أى عمل فنى. وأنا أعتقد أن جوهر عمل الرقابة فى التليفزيون هو إن «الباب اللى يجيلك منه الريح.. سده واستريح»، خاصة أن معظم الرقباء من الآنسات والسيدات، وهن الأكثر خوفاً بالطبع من الرجال. ومعظمهن لم يتم إعداده فنياً أو أدبياً أو سياسياً لقراءة النصوص، والنتيجة إنهم بيكونوا مش فاهمين. واللى مش فاهمينه بيخافوا منه، واللى يخافوا منه يرفضوه، لأن الرفض أسهل حاجة بدل وجع الدماغ. لكن عموماً المسألة لحسن الحظ مؤقتة. بكرة لما يبقى فيه بث مباشر.. الرقابة ستضمر وتسقط لوحدها، لأنه خلاص.. هيمنعوا إيه!.
وغداً يتجدد الحوار