«قطار رمضان» دون باعة جائلين: صيام من غير دوشة
الجو هادئ.. النوم يداعب وجوه الركاب، لا تسمع سوى صوت احتكاك عجلاته بالقضبان، واصطدام عرباته بالهواء، رحلات القطار فى كافة الاتجاهات فى رمضان لها مذاق خاص فى ساعات الصوم، فهو خالٍ من كتائب الباعة الجائلين، وضوضاء أصواتهم الجهورية، وانزعاج المسافرين من تنقلاتهم بين عربات القطار. فى الأيام العادية يسيطر البائعون على القطار باعتباره حقا مكتسبا لهم، يمارسون داخله نشاطهم التجارى.. وفق منظومة عمل ذات أدوار محددة ومقسمة بينهم.
«قطار رمضان» ركابه مرحبون بالغياب المؤقت لجيش «البياعين»، معتبرين الصوم فرصة ترحم الناس من مزاحمتهم العربات والممرات وقلقلة راحتهم. أسعار المأكولات والمشروبات والاحتياجات الأخرى فى السفر.. يحددها البائعون حسب هواهم، المسافرون فى نهار رمضان مرحومون من هذا «الاحتكار». مصطفى جادالله -حاصل على دبلوم زراعى- علق على غيابهم: «ده نعمة من عند ربنا، مش بيخلوا حد يعرف ينام ولا يقوم من مكانه.. كل شوية واحد ينادى بحاجة شكل»، الشاب الصعيدى ينتقد سياسة ترك هؤلاء المرتزقة دون محاسبة، مستنكرا امتداد نفوذهم إلى القطارات المكيفة، وتحويلها لمكان تجارى يشبه أرصفة المحطات أو عربات القطارات العادية، يقول: «بتدفع فلوس ومش بترتاح.. وفيه ناس بتبقى تعبانة ومتعرفش تنام منهم وهى مسافرة، لكن رمضان الحمد لله ريحنا منهم».
«لا يعرف قيمة النعمة إلا فاقدها» حال معتادى السفر بالقطارات، «حسام» أحد المسافرين كثيرا على خط السكة الحديد، لأنه مجند بالقوات المسلحة، يسافر من بلدته ويعود كثيرا، شعر بفضل رمضان عليه فى غياب تجارة بائعى السلع فى القطار، لأن اختفاءهم أظهر مدى الهدوء الذى يفتقده الناس بسببهم، قائلا: «العيب من الحكومة، والمفروض تمنعهم من البيع فى القطارات المكيفة، خاصة إنهم بيتخانقوا مع الركاب»، إحساس «الشاب العشرينى» لم يدم طويلا، عندما تذكر أن غياب البائعين وقتى، ومقصور فقط على فترة الصيام، أما بعد الإفطار «ترجع ريما لعادتها القديمة»، حسب تعبيره، «الجندى» يتمنى تفعيل قانون منعهم من البيع فى القطارات ووسائل الانتقال، حرصا على راحة الركاب: «اللى عاوز يشترى حاجة فيه كافيتريا كبيرة فى كل قطر.. فيها الأكل والشرب وكل حاجة».
«الشاى السخن.. مناديل اللى عاوز مناديل.. حاجة ساقعة بيبس.. سندوتشات اللى عاوز سندوتش بـ2 جنيه».. نداءات طرقت مسامع الركاب بعد تحرك قطارهم من محطة بنى سويف، فعقارب الساعة تجاوز موعد أذان المغرب بنحو 20 دقيقة، بين محطة وأخرى.. تغير الحال إلى النقيض، الممرات يجول بها الشباب حاملين بضاعتهم بين المسافرين، «حسام» يعلق على المشهد: «أنا عارفهم هييجوا يقلبوا الدنيا، ونفضل كده طول الطريق»، يشارك الركاب بعد الإفطار فى زيادة ازدحام عربات القطار، فالجميع يفضلون السفر بعد تناول إفطارهم.