صدر مؤخراً مؤشر الإرهاب العالمى لعام 2018م، الذى اضطلع بإعداده معهد الاقتصاد والسلام الدولى (IEP)، حيث يقع مقره الرئيسى بمدينة سيدنى الأسترالية، كما يضم فروعاً له فى كل من نيويورك ومكسيكو سيتى ولاهاى، وقد عمل المعهد منذ وضع منهجه على تطوير مجموعة من مؤشرات السلام العالمية والوطنية، وحساب التكلفة الاقتصادية للعنف، من خلال تحليل المخاطر على المستوى القطرى، والوصول إلى فهم أعمق للظروف التى تدعم السلام الإيجابى.
يصدر المعهد مجموعة من التقارير الرئيسية التى تترجم هذه التوجهات، ولعل أشهرها هو مؤشر الإرهاب العالمى (GTI)، الذى يقدم ملخصاً شاملاً للاتجاهات والأنماط العالمية الرئيسية فى الإرهاب، وهو يصدر سنوياً مختصاً بكل عام على حدة، بعد تحليل حزمة من البيانات التى تمتد على مدار 16 عاماً مضت على تاريخ الإصدار. يستند تقرير (GTI) على بيانات موثقة، من قاعدة بيانات الإرهاب العالمى (GTD)، ويصنف فيه (163 بلداً) على أساس أربعة مؤشرات، هذه المؤشرات هى عدد الحوادث الإرهابية فى عام الإصدار، وعدد الوفيات الناجمة عن تلك الحوادث، وعدد الإصابات الناجمة عن نشاط الإرهابيين، فضلاً عن قياس إجمالى الأضرار التى لحقت بالممتلكات من تلك الحوادث الإرهابية عن العام، جاء المؤشر الأحدث الصادر منذ أيام مختصاً بما جرى فى العام 2017، ليحمل مجموعة من الأرقام والبيانات الدالة، أهمها بالطبع أن أعداد ضحايا الإرهاب شهدت تراجعاً فى مختلف أنحاء المعمورة، عما سبقه من أعوام، فقد بلغ (18.814 ضحية) خلال 2017، مسجلاً تراجعاً بـ(27%) مقارنة بعام 2016، وبنسبة (44%) عن عام الذروة 2014، فى الوقت الذى قدرت قيمة الخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذا النشاط فى 2017، بنحو (52 مليار دولار) وهو رقم ربما يقل عما تؤكده المؤشرات الاقتصادية، التى تذهب إلى أنه قد يصل إلى حدود 60 ملياراً تقريباً.
يضع المؤشر العراق على رأس قائمة الدول الأكثر تأثراً بالعمليات الإرهابية، بحلولها فى المرتبة الأولى عالمياً، لتأتى بعدها مجموعة من الدول العربية داخل قائمة العشر الأوائل، وهى بالترتيب فيما يلى العراق: أفغانستان، نيجيريا، سوريا، باكستان، الصومال، الهند، اليمن، مصر، الفلبين، كما يشار إلى أن الولايات المتحدة احتلت مرتبة متقدمة نسبياً، بوقوعها فى المركز 20، فيما جاءت المملكة المتحدة فى المرتبة 28، وفرنسا فى المركز 30، وروسيا فى المرتبة 34، كما احتلت الصين المركز 36، وألمانيا 39، هذا من أصل قائمة تضم 138 مركزاً، مع الإشارة إلى أن هناك 26 دولة تقاسمت المركز الأخير وحده، باعتبارها الأقل تضرراً من النشاط الإرهابى.
أوضح المؤشر بشكل دقيق؛ أن أكثر من نصف عدد الضحايا عن العام 2017، قضوا على يد أربعة تنظيمات إرهابية، وهى بترتيب درجة الخطورة، كل من تنظيم (الدولة الإسلامية/ داعش) وحركة (طالبان) وحركة (الشباب) الصومالية وجماعة (بوكو حرام)، كما سقط نحو (44%) من إجمالى ضحايا الإرهاب للعام نفسه، فى أفغانستان والعراق ونيجيريا والصومال وسوريا وحدهم.
وبالنظر إلى نطاق وطبيعة عمليات التنظيمات الأربعة الكبرى، نجد تنظيم (داعش) رغم انحساره جزئياً فى كل من سوريا والعراق، إلا أنه ما زال يعتمد على فروعه المنتشرة فى أكثر من بلد عربى، فضلاً عن آلية «الذئاب المنفردة» القادرة على تهديد الدول الأوروبية وغيرها من دول العالم، كما بات أكثر ميلاً لاستخدام تكتيكات التفجير والعمليات الانتحارية، التى شكلت (69%) من هجماته العام الماضى، والنسبة الباقية ظلت لصالح خطف الرهائن والإغارة والاغتيالات، ليرصد المؤشر تراجعاً للتنظيم فى 2017 بنسبة (22%) فى العمليات، مقارنة بالعام الذى سبقه.
أما حركة (طالبان) بفرعيها فى أفغانستان وباكستان، فتخوض الأولى حرب استنزاف ضد التحالف الدولى وقوات الحكومة، مكنتها من السيطرة فى 2017 على ما يقارب (11%) بشكل كلى، و(29%) بصورة جزئية من إجمالى مساحة أفغانستان، فيما تقوم الثانية بتنفيذ عمليات ضد الجيش والشرطة بباكستان، وصلت إلى (56 هجوماً) و(233 ضحية) فى العام 2017 وحده، وظلت عمليات التفجير هى الآلية الأكثر شيوعاً، مع بروز انصرافهم عن الأهداف المدنية بصورة ملحوظة لصالح الأهداف الرسمية بشكل عام، لكن المؤشر يرصد لكلا الفرعين تزايداً فيما يخص 2017 عما سبقه من أعوام.
حركة (الشباب) ذات الانتماء القاعدى، تظل الصومال هى منطقة عملياتها الرئيسية، بيد أنها نفذت عام 2017 اعتداءات إرهابية فى إثيوبيا وكينيا وأوغندا، وسجلت الحركة لنفسها مرتبة الأعنف والأكثر دموية فى هذا العام، بصعود مفاجئ لما يقارب (93%) عن العام السابق وبعدد (1457 ضحية)، استأثرت العاصمة مقديشيو وحدها بالثلثين منهم، ولذلك يبقى التراجع الذى رصده المؤشر بشكل عام فيما يخص الإرهاب، لا يخص الصومال ولا حركة (الشباب) بل جاء عكسياً، وشهد طفرة ملموسة، خاصة مع بدء اعتماد الحركة على تكتيك التفجيرات الذى ساهم بقوة فى الارتفاع بعدد الضحايا، أما جماعة (بوكوحرام) المتمركزة منذ نشأتها بشمال شرق نيجيريا، فقد اعتراها متغير مهم فى 2017، وهو انشقاق ما يقارب نصف التنظيم لصالح ما سمى بـ«داعش غرب أفريقيا»، ليظل التنظيم الرئيسى على ولائه القاعدى، ويتقاسم مع الآخر مناطق النفوذ وساحات التهديد، وبعضاً من التشتت جراء الملاحقات والمجابهة من الأمن المحلى، بمساعدة مؤثرة من الحلفاء الدوليين، العرض الجانبى الأسوأ جراء ذلك أن الانشقاق والملاحقة نقلا جانباً من النشاط الإرهابى إلى تشاد والكاميرون والنيجر، تحت ولاءات جديدة لتنظيم (داعش) مستخدمة الآليات القديمة، ذات السمعة السيئة، متمثلة فى خطف الرهائن الجماعية، واستغلال النساء والأطفال بشكل كبير فى تنفيذ العمليات الانتحارية.
يبقى بالمؤشر جزء رصد فيه تنظيمات أقل شهرة وفاعلية من الأربعة الكبار، لكنهم يظلون مصدر تهديد كبير على ساحتهم الداخلية، وربما لامتدادات مستقبلية قد تشهدها ساحات العمل المسلح.. لهذا نفرد حديث الأسبوع المقبل بإذن الله.