القاهرة"نداهة القلوب" تدخل الألفية الثانية.. وتخرج من قلب القصيدة: "بحبك بحبك يا بنت اللذينا"
القاهرة"نداهة القلوب"
أمسك أحدهم بعوده وغنى: «يالمحروسة دموعى محبوسة.. نفسى أديلك مليون بوسة».. عنده حق فمنذ نشأتها كانت موطن الفضائل والموبقات و«التناقضات الجميلة».. الحضن الذى لا يخيب ظن النازحين من قراهم ونجوعهم.. ملاذ الفارين من همومهم والباحثين عن مستقبل حالم.. جاءوا إلى أحضانها من أقصى صعيد مصر وأقصى شمالها، توافدوا عليها من الشرق والغرب.. من بلاد الرافدين وبلاد الشام وبلاد السند والهند جاءوا من كل جنس ولون، فاحتضنتهم.. أصبحت عشقهم الأول.. وأحياناً سجنهم اللذيذ وهمهم الأكبر!
ليست عاصمة مصر السياسية فقط.. بل عاصمة الصعلكة والإبداع والفرص الواعدة
منهم من عشق طعم مياه نيلها ومنظره البديع فصار أسيراً لسحرها قبل أن يغنى عبداللطيف التلبانى «من فوق برج الجزيرة الله الله على سحرها».. بعضهم ندهته النداهة فذاب حباً فى مقاهيها وباراتها ونسائها وارتمى على عتبات أوليائها الصالحين!
ربما ظن بعض زوارها الجدد أنهم لن يعودوا إليها ثانية، وأن قراهم ومدنهم الصغيرة أولى بهم «ربما» لكن المؤكد أن معظمهم تمنوا العودة إلى «قاهرة المعز» مرات عديدة.. وكأنها قبلتهم التى يتمنون الحج إليها مدى الحياة.
هنا القاهرة -كما قال العم سيد حجاب- الساحرة الآسِرة الهادرة الساهرة الساترة السافرة
هنا القاهرة الزاهرة العاطرة الشاعرة
النيّرة الخيّرة الطاهرة
هنا القاهرة الصابرة الساخرة القادرة
المنذرة الثائرة الظافرة
هنا القاهرة.. صدى الهمس
فى الزحمة والشوشرة
أسى الوحدة فى اللمة والنتورة
هنا الحب والكدب والمنظرة
نشا الغش فى الوش والافترا
هنا القرش والرش والقش والسمسرة
هنا الحب والحق والرحمة والمغفرة
هنا القاهرة القاهرة القاهرة
وانا ف قلب دوامتك الدايرة بينا
بصرّخ بحبّك يا أجمل مدينة
يا ضحكة حزينة.. يا طايشة ورزينة
بحبّك واعفّر جبينى فى ترابك
واعيش فى رحابك وأقف جنب بابك
جناينى أروى بالدم وردة شبابك
يا زينة جنينة حياتنا اللعينة
بحبّك بحبك بحبك يا بنت اللذينا.
هى أيضاً: البيت الذى لم ينقسم بيتين
والغصن الذى لم ينقصف فرعين
والعين التى تنعم فى بحبوحة الـجفنين... والقاهرة
المعنى الذى ظل يُطِل:
الورد والـمسك
وغصن البان والشوك..
وتلك النعمة السابغة: البسمة والنيل.. كما قال عاشقها شاعر العراق سعدى يوسف.
هى: ريحة ماورد وجنة يا قاهرة
حبيتك الحب اللى عمره سنين
متّعت عينى وما انتهيتش حنين
كل اللى عاشوا فى حضرتك حلوين
والأحلى جاياتك فى مشربياتك.
هى كل ذلك وأكثر.. هى عاصمة مصر المحروسة التى تدخل ألفيتها الثانية وقد تضاعفت مآذن مساجدها التى تجاور كنائسها بعد أن ضاقت بعشاقها واكتظت بساكنيها.. فاليوم أكملت أم المدن عامها الخمسين بعد الألف وقد اكتظ تاريخها بعشرات الأحداث والثورات التى فى وجه الدولة المصرية ومحيطها الإقليمى.. «الوطن» تحتفى بعاصمة مصر العريقة فى ملف مقتضب يحكى قصة قصيرة عن مدينة غيرت التاريخ.