كرتونة جنب كل عمود بدل صندوق القمامة.. رصيف عم "ناصر" آخر نضافة
عم ناصر
باعة الأرصفة لا يأتي من وراءهم إلا الأذى، سواء للطريق أو للمارة، هكذا استقرت صورتهم الذهنية في أذهان كثيرٍ منا، ليضرب أحد الباعة الجائلين مثلا في الإحسان إلى الرصيف المجاور لمحطتي قطار ومترو شبرا الخيمة، في حدود إمكانياته المادية المحدودة، واضعا علبة كرتونية من فوارغ بضاعة جيرانه من الباعة بجوار أعمدة الإنارة في وسط الطريق لتكون بديلا عن غياب صناديق القمامة.
"أهم حاجة النضافة في كل حاجة وفي أي مكان الإنسان بيقعد فيه".. بهذه الكلمات بدأ ناصر محمد، 53 عاما، حديثه لـ"الوطن"، واصفا قيامه بوضع علب كرتونية أمام منطقة عمله بالأمر الطبيعي والواجب على أي شخص عاقل يريد أن يعيش في مجتمع نظيف، فليبدأ بنفسه ومنزله وعمله.
مع دقات الثامنة صباحا، ممسكا بمكنسته، ينظف أمام المنضدة التي يضع عليها بضاعته من أدوات مدرسية كالكراريس والأقلام للصغار والكبار، ليتجه إلى الجنينة المواجهة للمنضدة، منظفا إياها، فتحولت المنطقة التي كانت مليئة بالقمامة وذات رائحة كريهة، على يد ناصر، إلى مكان يمكن أن يجلس فيه المار للراحة والاستجمام، ليقوم ناصر بعد ذلك بوضع كراتين "بحط كراتين علشان محدش يرمي حاجة على الأرض ولو شوفت حد رمى بروح أقوله شيلها حطها في الكرتونة وناس بتوافق وناس بتقولي لأ متعودين نرمي بقولهم عيب مايصحش بيمشوا وما يردوش علشان عارفين إنهم علموا حاجة غلط".
يغادر ناصر الرصيف عند العاشرة مساءً بعد أن يجمع الكراتين التي أصبحت صناديق قمامة للرصيف ويخفيها أسفل منضدة البضائع حتى لا يعبث بها المارة "ممكن حد يقلبها في الأرض وياخد الكرتونة وبحطها واتفقت مع الزبال يعدي الصبح كل يوم وياخدها"، ويحكي الرجل الخمسيني أن النظافة صفة يجب على الجيمع التحلي بها، فقد ربى أولاده عليها "من نظرة واحدة بيعرفوا إنهم عملوا حاجة غلط ويقوموا ينضفوا على طول"، متمنيا أن يقتدوا به في السلوك العام لكن أن يضيفوا إلى ذلك نجاحات علمية بشهادات لم يستطع هو الحصول على أيٍ منها.
"كنت نقاش وكنت الشقة أو المكان اللي استلمه أرجعه أنضف من الأول وبمسح مكان الدهانات وسبت النقاشة من 3 شهور علشان يوم فيه شغل وعشرة مفيش وولادي عايزين مصاريف"، ليتابع المعلم أحمد، صاحب فرشة بضائع، أنه منذ قدوم ناصر للرصيف وهو مثال للنظام والنظافة الذي لم يقابل مثله في حياته من قبل، "بييجي ينضف البضاعة والزباين تعدي تنبسط من شكل البضاعة ومن نضافة المكان حواليه"، ليختتم ناصر حديثه "نفسي الناس كلها تعمل زيي وأجيب كل البضاعة اللي يحتاجها الزبون.. وعايز شقة بس علشان ولادي يستقروا".