ربط الأشاعرة الإسلام بعصور الصحابة والتابعين.. فسببوا لنا المشاكل.. نحن والدين.
أنزل الله تعالى الإسلام للعالمين.. لم ينزله للصحابة أو التابعين وحدهم.. عالمية الدين تعنى صلاحيته لكل زمان ومكان.. وصلاحية النص لكل زمان ومكان تعنى قابليته الدائمة للتجديد.. حسب ظروف كل عصر.
لذلك فإن ألف باء تجديد يبدأ أولاً من فك ارتباط الدين بعصور الأولين.
قصر الدين وأحكامه على عصور الصحابة جمّد الإسلام.. وهو الذى أثار المشكلات بين المسلمين وبين المجتمعات الأخرى فى العصر الحديث.
قصْر الإسلام على اجتهادات الصحابة هو الذى فتح الباب لأن تقضى فينا فتاوى ابن حنبل ومالك حتى لو لم تتواءم مع عصورنا.. وكان سبباً فى أن يدفع إلينا الأشاعرة بآراء المالكية وفتاوى الحنابلة باعتبار أن تلك الآراء هى الدين.. وأن اجتهادات الأوائل فى فهم الإسلام.. هى حكم الله ومقصده.
لم يفعل النبى (صلى الله عليه وسلم) نفسه هذا.. ولا فعله الصحابة رضوان الله عليهم من بعده. لم يقل أحد من الصحابة إن فتواه فى واقعة ما هى حكم الله.. ولا إن رأيه فى مسألة ما هو قضاء الله.
فى حادثة معروفة أوصى النبى (صلى الله عليه وسلم) قائده «بريدة» إذا انتصر فى حربه فلينزل عدوه على حكمه ولا يقول إنه حكم الله.. قال (صلى الله عليه وسلم): إنك لا تدرى ما حكم الله فيهم.
وفى عهد عمر (رضى الله عنه) كتب كاتبُه: «هذا ما أرى الله أمير المؤمنين».. فما كان من سيدنا عمر إلا أن غضب وقام من مكانه ونهر كاتبه.. واحتد ورفع صوته قائلاً: «إنما قل: هذا رأى أمير المؤمنين».
روى عتيق بن يعقوب، عن ابن وهب، قال سمعت «مالك» يقول: «لم يكن من أمر من مضى من سلفنا من يقول فى شىء يعرض عليه: هذا حلال وهذا حرام.. إنما كانوا يقولون: نكره كذا.. ونرى هذا حسناً.. أو ينبغى هذا.. ولا نرى هذا».
قصد مالك أنه لا هو ولا من سبقوه كانت لهم الجرأة على إقرار حرام أو حلال.. غير ما ورد مباشرة من أحكام لله.. فى كتاب الله.
لذلك صدروا فتاواهم.. باعتبارها (رأياً).. لا باعتبارها (أصلاً دينياً).. وباعتبارها (اجتهاداً).. لا باعتبارها (حكماً شرعياً) واجب النفاذ.
الفارق كبير بين نسبة أمر ما لعمر (رضى الله عنه).. وبين نسبة أمر ما لله سبحانه.. لأن رأى عمر اجتهاد.. لكن أمر الله تنزيل.
عمر (رضى الله عنه) كان أعلى نموذج فهم إسلامى للمقصود بتجديد الدين.. فطن عمر (رضى الله عنه) إلى أن القرآن صالح لكل زمان ومكان وأن الجمود يقتل الدين.. لاحظ أن جمود الدين هو الذى أخرج «داعش» و«جبهة النصرة».. و«جماعة أنصار بيت المقدس»!.
عصر عمر (رضى الله عنه) -على بساطته- كان عصراً منفتحاً دينياً وبقوة على الاجتهاد.. وإعمال العقل.. لذلك حاز سيدنا عمر من الجرأة ما أوقف به أحكاماً قرآنية صريحة.. لأنه رأى أنها لم تعد مناسبة لظروف مجتمعه.
مَن ذلك الذى يستطيع أن يقول إن عمر (رضى الله عنه).. خرج عن الدين؟!